كان يوماً مشهوداً في القرية، اعتاد أهل القرية رؤية الأتوبيس القادم من البندر يحمل من يعملون في المصنع الكبير من أبناء القرية إلى مقر عملهم.. ومعهم بعض من القلة الذين لهم مصالح يقضونها هناك من باب العشم والأخلاق الحميدة وبالطبع لا يخلو الأمر من هدية في مواسم الحصاد.. أو غيرها من مناسبات القرية القليلة..
لكن ذلك اليوم كان مختلفاً.. انطلقت الأصوات بعد صلاة الفجر تدعو الجميع لرؤية المشهد النادر.. فمع الأتوبيس الذي يعرفونه ويألفون مروره اليومي.. كان هناك أتوبيساً آخر!!
خرج الأطفال والرجال.. وبعض النسوة إلى جسر الترعة.. واصطفوا متزاحمين ليستبينوا حقيقة ما يحدث لم يكن في الأمر خدعة.. كان هناك أتوبيس جديد.. يدخل القرية.. ومن الاتجاه المعاكس لما اعتادوا عليه.. كان لامعاً براقاً, على العكس من ذلك الذي أكل عليه الدهر.. وركب.. لم يتوقف إلا لدقائق معدودة.. هبط منه بعض الرجال.. لم يكن فيهم ما يميزهم عن سواهم.. سوى ذلك الزى الأنيق الموحد.. لكنهم سرعان ما عادوا لأماكنهم في الأتوبيس.. الذي انطلق مخلفة وراءه سحابة من التراب عبر طرق القرية غير الممهدة..
لم ينصرف أحد من مكانه رغم مرور الساعات الطوال.. وبدأ الجميع في محاولة تفسير ما حدث.. فمن قائل بأنه ربما ظل الطريق. إلى من يقسم بأن هؤلاء غرباء يريدون شراً بالقرية.. وأن من وراءهم سيأتي الكثير من البشر والحافلات.. ولن نستطع الوقوف أمام سطوتهم.. قلل البعض من أهمية ما حدث واعتبروه مجرد مصادفة.. وإن ظل شيخ الجامع يتلو آيات مستعيذاً من شر المجهول الذي لا يعرف كنهه..
استمر الجدل طيلة اليوم.. وفي الصباح الباكر.. خرجت القرية عن بكرة أبيها تنتظر.. لكن الأتوبيس لم يحضر.. وكذلك الحال في الأيام التالية... نسى الجميع الأمر.. لكن بقي اليوم يوماً يذكر دوماً.. عند الحديث عن أمر ما.. فيقول البعض.. أن فلاناً توفي يوم مرور الأتوبيسين.. وأن دورة الري كانت قبل يوم مرور الأتوبيسين بأسبوع... بل وذهب البعض إلى أن أطلق على الجسر.. جسر الأتوبيسين... وبمرور الوقت وتعاقب الأجيال نسيت القصة.. وأصبح مرور الشاحنات والأتوبيسات أمراً مألوفاً للجميع ولكن الاسم ظل علامة من علامات الطريق إلى قريتنا.