بين الاستغراب والاستنكار، تلقت الطبقة السياسية خبر تعيين الباجي قائد السبسي زعيم حركة «نداء تونس» ورئيس الحكومة الأسبق، محمد الناصر نائبا له على رأس الحركة، وذلك خلال اجتماع المجلس الوطني الأحد، وسط ذهول أبناء نداء تونس الذين تم إقصاؤهم من المكتب التنفيذي بأمر من السبسي لأسباب لا يعلمها إلا هو. وكانت النخبة السياسية تفاجأت بإعلان السبسي تعيينه لمحمد الناصر الذي سبق وأن رشحه الرباعي الراعي للحوار الوطني لتولي منصب رئيس حكومة الكفاءات المستقلة «باعتباره محايداً ولا انتماء حزبي لديه» إلا أن المنصب الجديد الذي منحه له السبسي ليس سوى خير دليل على عدم استقلاليته وانحيازه إلى نداء تونس.
واستغربت القيادات الحزبية المشاركة في الحوار الوطني هذا التعيين، بعد أن استمات الرباعي الراعي للحوار بمساندة نداء تونس والجبهة الشعبية المعارضة لفرضه رئيسا للحكومة فيما تمسكت الترويكا المستقيلة برفضه، على خلفية أنه من وزراء الرئيسين بورقيبة وبن علي وبالتالي فإن حياديته موضع شك. شعور بالخيبة يعم الطبقة السياسية أرجعه أحد المحللين السياسيين إلى الإحساس بالخديعة جراء ترشيح نداء تونس والرباعي ومن لف لفهما للناصر ليرأس حكومة الكفاءات المستقلة، ويكون بذلك النداء قد نصب أحد أبنائه خليفة للنهضوي علي العريض المستقيل، بحيث تتسلم الحركة مقاليد الحكم بطريقة توحي بانقلاب على الشرعية في أبهى معالمه.
السبسي الذي يصفه أصدقاؤه وأعداؤه أيضا بأنه ديكتاتورياً في قراراته، جدد تمسكه بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة حتى وإن لم يتحدد موعدها إلى اليوم، بعد أن أهدته حركة النهضة فرصة ذهبية لاعتلاء سدة قصر قرطاج، من خلال عدم تحديد السن القصوى للترشح لهذا الاستحقاق الانتخابي، أكد بأنه ليست هنالك نية واضحة للتحالف مع حركة النهضة في الوقت الحاضر. ومهما يكن من تصريحات السبسي، فالثابت أن الأيام القليلة القادمة ستحمل في طياتها مفاجآت أخرى من نداء تونس، الذي وضع الرباعي الراعي للحوار الوطني والجبهة الشعبية في موقف محرج جدا قد يعصف بمصداقية اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي، وقد ينسف ما تبقى للجبهة من «ماء الوجه». ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن نداء تونس الذي شد اهتمام الرأي العام هذه الأيام بسبب تصريحات قائده النارية تجاه النهضة ومفاجأته التي لا تحصى ولا تعد، اتسعت قاعدته مؤخراً بانضمام أكثر من 100 عنصر جديد لأنصاره كانوا ينتمون إلى الجبهة الدستورية التي يرأسها حامد القروي رئيس الوزراء الأسبق في نظام بن علي، وبذلك بات من الواضح أن السبسي دخل معركة غير متوازنة مع الدساترة، وراح يغازل العشرات من قيادييها ويستميلهم بهدف إفراغ الجبهة من إطاراتها، لاقتناعه بأنها تشكل خطراً على شعبيته.
وفي سياق منفصل، أكّد سفير الولايات المتحدة الأميركية في تونس «جاكوب وولز» تلقيه اعتذاراً رسمياً من الحكومة التونسية بخصوص الاتهامات التي وجهها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني للولايات المتحدة الأميركية خلال الجلسة الممتازة في المجلس التأسيسي بمناسبة الاحتفال بالدستور التونسي الجمعة. ويذكر أن علي لاريجاني اتهم كلا من أمريكا وإسرائيل بمحاولة إفشال الربيع العربي ووصف إسرائيل «بالسرطان الذي يهدد جميع الدول العربية» وهو ما دفع الوفد الأمريكي إلى الانسحاب من المجلس.
أمنياً، وبعد النجاح الباهر لقوات الأمن في إلقاء القبض على مجموعة إرهابية خطيرة غير بعيد عن المنزل الذي تم فيه القضاء على عناصر أخرى، قالت مصادر استخباراتية بأن 15 إرهابياً جزائرياً ينتمون إلى تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» قد تسللوا مؤخراً من الجزائر إلى تونس حيث يستعدون لتنفيذ مخطط إرهابي. وتقول ذات المصادر إن حالة استنفار قصوى تم إعلانها في صفوف الجهاز الأمني التونسي لتعقب هؤلاء باعتبارهم من أخطر العناصر المتورطة في عمليات إرهابية في العراق وليبيا والصومال خاصة وأنهم تلقوا تدريباً في أفغانستان على فنون القتال وطرق إسقاط الطائرات وصنع المتفجرات. وكان الناطق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي صرح أول أمس بأن قيادات إرهابية جزائرية هي من تولت ذبح الجنود التونسيين في جبل الشعانبي بالجنوب التونسي خلال شهر رمضان المعظم من العام الماضي، بمساعدة كمال القضقاضي المتهم باغتيال السياسي شكري بلعيد، والذي قتلته قوات مكافحة الإرهاب الأسبوع المنقضي بالعاصمة، وأكد العروي أن شريط فيديو بحوزة الأمن يبين بوضوح مجريات عملية الذبح وكيف رقص الإرهابيون على جثث الجنود البواسل. وكانت اللجنة العليا المشتركة التونسية الجزائرية التي اجتمعت الأسبوع الماضي وضعت محاور ترتيبية للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتعقب الجماعات المسلحة التي تهدد البلدين.