ما كنت أود الكتابة حول الأمر الملكي الذي صدر من أيام حول الخروج للقتال، والدعم بكافة أشكاله للجماعات المتطرفة، ومثيري الفتن، ليس لعدم أهمية هذا القرار الملكي الحكيم، فأهميته بالغة وأثره بإذن لله كبير، ولكن كون الأمر شرعياً أكثر منه سياسياً، ولكن عدت وقررت المشاركة بعد أن قرأت في مواقع التواصل الاجتماعي بعض المقولات التي ركّزت على مسألة إذن ولي الأمر في الخروج للجهاد، وأنه لم يتبّق إلاّ أن يكون دخول الجنة بموجب إذن ولي الأمر ! فتعجبت لهذه السطحية العلمية عند أناس لهم في العلم باع ويعلمون الرأي الشرعي في هذه المسألة، وأيقنت بأنّ العلم شيء والهوى شيء آخر.
عند ذلك قررت المشاركة ليس برأيي وإنما بآراء علماء الشريعة المتقدمين والمتأخرين، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الجهاد لا يقوم به إلاّ ولاة الأمور.
وقال الحسن البصري - رحمه الله - أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم والفيء والجهاد والجمعة.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله سمعت أبي يقول (إذا أذن الإمام، القوم يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا، قلت لأبي فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا، إلا أن يأذن الإمام، إلاّ أن يفاجئهم أمرٌ من العدو فلا يمكنهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً عن المسلمين. أ. هـ
وقد استوقفتني كلمة الإمام أحمد عند قوله عن من فاجأهم العدو فخرجوا دون إذن الإمام (فأرجو) وهذه الكلمة تدل دلالة واضحة على أهمية الإذن، ويرجو الإمام أن لا يلحقهم إثم في هذه الحالة الحرجة، فكيف بمن لم يأته العدو أصلاً ويخرج دون إذن الإمام، بل مغضباً والديه!!
وقال سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله - أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد.
كما قال ابن قدامة - رحمه الله - أمر الجهاد موكول للإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يرى من ذلك.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ حسن بن حسين آل الشيخ، والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمهم الله - ورأينا أمراً يوجب الخلل على أهل الإسلام، ودخول التفرق في دولتهم، وهو الاستبداد من دون إمامهم، بزعمهم أنه بنية الجهاد!
ولم يعلموا أنّ حقيقة الجهاد، ومصالحة العدو، وبذل الذمة للعامة، وإقامة الحدود، أنها مختصة بالإمام، ومتعلقة به، ولا لأحد من الرعية دَخْلٌ في ذلك إلا بولايته
- :
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن محمد بن سليم - رحمهم الله -: أمر الجهاد، ومحاربة الكفار، ومصالحتهم، وعقد الذمة معهم، أو فإن هذا من حقوق الولاية، وليس لآحاد الرعية الافتيات الاعتراض عليه في ذلك.
فإنّ مبنى هذه الأمور، على النظر في مصالح المسلمين العامة والخاصة، وهذا الاجتهاد والنظر موكول إلى الإمام. أ. هـ
وقال الشيخ عمر بن سليم - رحمه الله - فتحرم معصية ولي الأمر والاعتراض عليه في ولايته، وفي معاملته، وفي معاقدته ومعاهدته، ومصالحته للكفار، ولا يجوز الاعتراض عليه في شيء من ذلك، لأنه نائب للمسلمين، والناظر في مصالحهم، وعقد الذمة، والمعاهدة إلا بالذمة. أ. هـ
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله - والمسلم إذا عصى ولي الأمر وسار إلى بلاد الكفار, وقد نُهي عند ذلك، فلولي الأمر تعزيره وردع أمثاله بما يراه أبلغ له في العقوبة. أ. هـ
وقال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - لا يجور غزو الجيش إلا بإذن ولي الأمر مهما كان الأمر، لأنّ المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمر وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبعٌ لأهل الحل والعقد، فلا يجوز أن يغزوا بغير إذن الإمام، إلا على سبيل الدفاع، فاجأهم عدو يخشون كلبة - أي قوّته - فحينذ يجوز لهم أن يدفعوا عن أنفسهم، لتعين القتال. أ. هـ
وأختم بسؤال طرح على سماحة الشيخ عبد العزيز بن بار - رحمه الله تعالى - ومن خلال الإجابة تتبيّن عدة قضايا في غاية الأهمية متعلقة بالجهاد، وأن ما يقال عن النفير إنما هو متعلق بولي الأمر
) سؤال: هل يأثم المسلم بأن يقاتل تحت شعار دولة كافرة؟
- جواب: نعم يأثم.
) سؤال: إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي. ولا أستطيع أن أصبر عنه، وقد استأذنت والدتي فلم توافق، ولذا تأثرت كثيراً ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد. سماحة الشيخ: إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله وأمي لا توافق. دلني جزاك الله خيراً على الطريق المناسب؟
- الجواب: جهادك في أمك جهاد عظيم، الزم أمك وأحسن إليها، إلا إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « وإذا استنفرتم فانفروا « رواه البخاري.
ومادام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك، وارحمها، واعلم أن برها من الجهاد العظيم، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قيل: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. فسكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزاداني «. متفق على صحته فقدم برّهما على الجهاد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي يستأذنه في الجهاد. فقال: «أحي والداك؟ « قال نعم. قال «ففهيما فجاهد «. متفق على صحته. وفى رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم :
« ارجع أليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرّهما «. رواه أبو داود، فهذه الوالدة: ارحمها، وأحسن إليها حتى تسمح لك، وهذا كله في جهاد الطلب، وفى ما إذا لم يأمرك ولي الأمر بالنفير، وأما إذا نزل البلاء بك فدافع عن نفسك وعن إخوانك في الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا إذا أمرك ولى الأمر بالنفير فانفر ولو بغير رضاها لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (38) سورة التوبة.
وأقول في خاتمة هذه المقالة إذا لم يكن كل هؤلاء العلماء ممن يؤخذ منهم فممّن نأخذ؟ إنه الهوى وكفى!
والله المستعان،,,