الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، حكمة شهيرة تتردد كثيراً على مسامعنا، وهي تعبير عن أهمية استثمار الوقت لتحقيق الأهداف لأي عمل سواء على المستوى الفردي او الجماعي، فكثير من الالتزامات التي تواجهنا نجد أن لها وقتاً محدداً لإنجازها، فسنوات الدراسة محددة بمستوياتها كافة، وكذلك الخطط التنموية ومدد تنفيذ المشاريع العامة والخاصة، ولكن يبقى الالتزام بالوقت المحدد للتنفيذ أحد المعايير الرئيسة لتقييم مستوى النجاح أو الفشل بتنفيذ الخطط والمشاريع.
فالتنافسية بين الدول للنهوض بمجتمعاتها يحسمها عامل الوقت وكيفية استثماره، وإذا ما أخذنا الخطط التنموية الخمسية في المملكة والتي انطلقت منذ العام 1970م نجد أنها هدفت لتنويع مصادر الدخل، والذي لم يصل الى المستوى المطلوب الى الآن، فبعد مضي قرابة نصف قرن ما زال النفط هو المؤثر الأكبر بإيرادات الخزينة وبالتنمية عموماً، فالنشاط الاقتصادي ما زال رهين حجم الإيرادات العامة من بيع النفط، وبمقارنة تاريخ بداية الخطط التنموية في المملكة مع دول انطلقت باقتصادها نحو النمو القائم على التنويع الاقتصادي، فإن دول شرق آسيا تبدو خير مثال يمكن المقارنة به، فالصين بدأت تحولاتها الاقتصادية في الفترة نفسها التي أُعلن فيها عن أول خطة تنموية لدينا، لكن الصين أصبحت ثاني اقتصاد عالمي، وحتى لا يقال إن الصين تملك من العوامل ما يفوقنا بكثير للوصول الى ما حققته، فإن كوريا الجنوبية والتي بدأت بعدنا بقرابة العشر السنوات، أصبحت دولة متقدمة اقتصادياً وناتجها القومي يتفوق علينا بمقدار الضعف بحسب بيانات العام الماضي، بل إن نجاح التجربة الكورية باتت مثالاً يحتذى به عالمياً والعديد من الدول النامية اتجهت لتقليد تجربتها.
وإذا كانت هذه الدول قد اهتمت بقضايا التعليم والتأهيل للكوادر البشرية التي ساهمت بتحقيق التقدم الكبير الذي وصلت له، فإن استثمار الوقت بالكفاءة الكبيرة جداً كان عاملاً حاسماً بمستويات النمو الاقتصادي الجامح الذي تحقق، مما يعني أن الوقت كان يستثمر ليس فقط للتطوير وحل الإشكاليات التي تواجههم بل اعتبر جزءاً من رأس المال يجب توظيفه بكفاءة كبيرة أدت الى ما وصلوا له من نجاح. بينما نجد أن استهلاك الوقت لدينا كان عاملاً سلبياً بتعطيل التنمية وتأخير الحلول، نتيجة تأثير بالغ من البيروقراطية وكذلك تعدد المسئوليات بين الجهات الحكومية عن قطاع اقتصادي او مشروع تنموي مما يؤخر الحلول ويحول الوقت لعامل سلبي ضاغط على التنمية والتكاليف بارتفاعها، فقانون الرهن والتمويل العقاري استهلك وقتاً يصل الى قرابة 20 في المئة من الفترة التي احتاجتها كوريا لتحقيق نهضتها الاقتصادية، بينما قانون الشركات الجديد والمنتظر صدوره فاقت مدة العمل عليه عشر سنوات، أي ربع مدة خطط التنمية لدينا منذ انطلاقتها وقرابة 30 بالمئة عند المقارنة مع مدة نهوض كوريا، مما يعني أننا نستهلك وقتاً طويلاً لحلول او تطوير بالأنظمة التي هي الركيزة الأولى بأي تنمية اقتصادية واجتماعية.
الوقت عنصر أساسي بحسابات التنمية، وما لم يتحول التعامل معه كجزء من رأس المال الذي يجب توظيفه بكفاءة كبيرة، فإن التقدم لدينا سيبقى بطيئاً والحلول ستصبح أكثر كلفة على الاقتصاد والمجتمع. فالتأخر بتنفيذ الخطط أو الحلول هو الذي يوجد الفارق الزمني بين الأمم والدول عامة، فما يُقال إن دولة ما تتفوق على أخرى بعشرات السنين ما هو إلا مقياس ضمني لفارق التعامل مع الوقت والتمييز بين استثماره من استهلاكه.