لم تجر الرياح بما اشتهاه رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي عندما جمع في المجلس التأسيسي أكثر من ممثلي ثلاثين دولة عن أمراء وملوك ورؤساء دول شقيقة وصديقة احتفالاً بصدور الدستور الجديد للجمهورية التونسية الثانية، حيث انسحب الوفد الأمريكي رفيع المستوى الذي لبى دعوة المرزوقي، فإذا به يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه بعد تهجم رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني على أمريكا واعتبرها مساندة لإسرائيل التي وصفها «بالسرطان في منطقة الشرق الأوسط». كان بالإمكان أن تكون جلسة المجلس التأسيسي الممتازة موعداً احتفالياً بكل المقاييس، وكان بالإمكان أن تكون زيارات الوفود الصديقة طالع خير على تونس وشعبها وأن يتم عقد صفقات أولية لمشاريع استثمارية تعاونية تسهم في انعاش الاقتصاد التونسي المترنح تحت وقع الخيبات المتتالية، إلا أن رئيس البرلمان الإيراني أرادها عكس ذلك بالضبط، وعض اليد «المرزوقية» التي امتدت إليه، وأحدث زوبعة سياسية من الصعب تجاوزها وربما تعود بالوبال على البلاد. فبعد أن انسحب الوفد الأمريكي الضيف، أصدرت سفارة البيت الأبيض بتونس بياناً توضيحياً قالت فيه إنه وقع استخدام ما كان يُفترض أن يكون حفلاً تكريمياً لإنجازات تونس من قبل ممثلي دولة إيران كمنبر للتنديد بالولايات المتحدة. وأضافت السفارة في بيانها أن ممثلي الولايات المتحدة الحاضرين في المجلس الوطني التأسيسي غادروا جلسة الاحتفال بالدستور بسبب الاتهامات الباطلة والتصريحات غير اللائقة التي أدلى بها ممثل إيران تجاه الولايات المتحدة. وكان التلفزيون التونسي قد بث صوراً لرئيس الحكومة الجديد المهدي جمعة وقد أصابه الحرج والاستغراب في آن واحد خلال إلقاء لاريجاني كلمته التجريحية، فيما بدا على وجه علي العريض رئيس الحكومة المستقيل غضب واضح حيث نزع آلة الترجمة رافضاً بذلك مواصلة الاستماع الى كلمة الضيف الإيراني الذي لم يقدر قدسية المناسبة وانبرى يعطي دروساً للحضور حول سبل مكافحة أمريكا وإسرائيل، في جلسة مخصصة لغير ذاك الموضوع. وحضر هذه الجلسة العديد من الشخصيات على غرار ممثلي أمراء البحرين وقطر وولي العهد المغربي الى جانب رئيس فرنسا فرنسوا هولاند وكل من رؤساء جمهورية التشاد والسينغال ومالي والغابون وغينيا وموريطانيا ولبنان، إلى جانب رئيسي حكومتي الكويت والجزائر وكاتب الدولة الأمريكي المكلف بالشؤون المغاربية ورؤساء مجالس كلّ من ألمانيا وبلجيكياومالطا وتركيا والكوت ديفوار والأردن.
إلا أن ما حدث خلال الجلسة الممتازة أسقط حسابات الرئاسة التونسية التي تميزت على مدى ثلاث سنوات تقريباً بكثرة هفواتها وزلاتها الكلامية، حيث تم إلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان من المزمع أن يعقده رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعد ظهر الجمعة. وعللت المصادر الرسمية إلغاء الندوة الصحفية، بعدم التوافق في جدول مواعيد الرئيسين، حيث إن هولاند كان مرتبطاً بوقت محدد للعودة إلى فرنسا كما أن جلسة الاحتفال بالدستور كانت مطولة، من ناحيته كان المرزوقي مرتبطاً بمواعيد مع ضيوف آخرين ولم يكن هناك مجال لتعديلها. إلا أن مصادر مقربة من حزب المؤتمر الذي كان ينتمي إليه المرزوقي أشارت الى أن هولاند وكرد فعل له على ما تضمنته كلمة رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني من استخفاف بالوفد الأمريكي.
وتراوحت ردود أفعال الطبقة السياسية بين مستنكر لما صرح به لاريجاني وبين عدد من الذين اعتبروا الأمر مجرد خطأ في التقدير من طرف المسؤول الإيراني، فيما ذهب أغلب التونسيين الى تحميل الرئيس المرزوقي مسؤولية ما حدث لأنه تعمد دعوة إيران لحفل تحضره عدوتها اللدود أمريكا التي تمثل حليفاً قوياً للثورة التونسية.