(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).. ولعل شعار التعليم في بلدي الحبيب هو لن تؤتوا من العلم إلا قليلا ومع سبق الإصرار والترصد.
فرحت كغيري والله حين سمعت بتعيين سمو الأمير خالد الفيصل وزيرا للتعليم وليس هذا اجحافا في حق من سبقه لكنه تفاؤل بشخصه الكريم، حتى وان كان هذا الفرح مشوبا بالأسى فهذه الوزارة الداخل فيها مفقود عسى الله أن يحفظ الوزير، وهي أشبه بوزارة الصحة مع فارق وجود القضاء والقدر، وكان الله في العون. والفيصل معنا ومنا وفينا، وأبناؤه وأبناء أبنائه في مدارس مع أبنائنا، وبالتالي فهو ليس من كوكب آخر، وليس بجاهل بالمأساة التي يعيشها التعليم منذ أزمان وكله نظر ومجموعة إنسان.
التعليم بشكل عام، العالي منه والعام بحاجة إلى تطوير جذري، ومع تقديري للجهود التي تبذل من خلال برامج ومشاريع وشركات التطوير وميزانياتها الضخمة، ومن خلال تجربة عملية ومشاهدات شخصية أتصور أنه يجب إدخال عناصر متعددة وبأغلبية من خارج النظام التعليمي « الوزاري» الحالي ليكون هناك أفكار جديدة ودماء جديدة ورؤية جديدة، وليس هذا تقليلا في خبرات منسوبي الوزارة، لكن الوزارة هي من يجب أن يسعى للتغير من خلال تطوير المنسوبين وإشراك آخرين في عمليات التطوير، ومن الدول المتقدمة في مجال تطوير التعليم، فكلنا حين نتعود على الخطأ لا يمكننا رؤية الصواب. وما يحدث في التعليم بوضعه الحالي «هو ده الخطأ بزاته» كما يقول إخوتنا في السودان. وأخطاء التعليم حين تقع فهي قاتلة للعقول والافكار والإبداع بل إنها وفي كثير من الأحيان تئد كل ذلك في المهد بمعنى اغتيال مع سبق الإصرار والترصد.
نحن دولة نامية وفتية واستثمارنا الأول يجب أن يكون في المواطن من خلال تنميته وتأهيله تعليميا وتدريبياً. وأرى من خلال تصوري المتواضع أن يكون للقطاع الخاص دور حيوي في هذا التطوير التعليمي وتحديد المتطلبات، فهم المعني الأول باستقطاب المخرجات وخفض نسبة البطالة التي تعددت واختلفت الأرقام حولها لكنها مخيفة وتأثيرها على المجتمع وأمنه كارثي بكل المقاييس. أتصور أن يكون لصندوق تنمية الموارد البشرية دور في التأهيل التدريبي لمخرجات التعليم العالي تحديدا لتوظيفها في القطاع الخاص، سواء خريجو الجامعات المحلية او المبتعثون العائدون من الخارج، وذلك من خلال علاقة ثلاثية مباشرة ما بين الصندوق والجامعة والشركات الراغبة.
حظيت بالتعليم الثانوي في بلدي الحبيب ومن ثم اكملت الجامعي في أمريكا وعدت لمقاعد التعليم العالي هنا مرة أخرى، ومن هنا أتيحت لي المقارنة المباشرة ما بين هنا وهناك، وبعد المقارنة «حسيت ودي الطم» بالإضافة إلى ما أسمع وأشاهد من حولي.
الجامعات لدينا والتي « يقولون» احتلت المراكز المتقدمة في قوائم العالم لا تقبل بنقل الساعات المعتمدة من جامعة إلى أخرى، وفي أحسن الحالات تقبل اليسير منها مما يحتم على الطالب شبه إعادة الدراسة حين ينتقل ما بين الرياض والدمام مثلا أو الرياض وجدة وكأننا في دولتين لهما نظامان مختلفان. وفي نهاية المطاف الخريجون النخبويون «يتبطحون ويتسدحون ما بين الملاحق والاستراحات» وفي أحسن حالاتهم يتوترون ويتسقرمون «حسيت ودي أشد شعري».
في حين أن الدول الاخرى ومنها امريكا تقبل حتى بمواد الثقافة الاسلامية التي نحصل عليها من جامعاتنا، ولعل هذا سر عالميتنا! وتدرجها ضمن المواد الاختيارية في مجموع الساعات. ولا أعلم حقيقةً ما هي المعايير التي اجتزناها كجامعات لنحظى بمراكز قيادية إذا كان الطالب لاينصف اكاديميا فيها، ويهدر فيها وقته وجهده، بالاضافة إلى هدر موارد الجامعات المادية والبشرية. ومن ثم نشتكي من عدم توافر مقاعد للطلاب، وفوق هذا وذاك نشترط أن يكون التقدير في الثانوية العامة أعلى مما تتطلبه هارفارد «حسيت ودي أبكي».
وقبل أكثر من عقد من الزمان وفي مرحلة الماجستير في جامعة الملك سعود، وفي محاضرات مثل الاحصاء ندرس نحن الطالبات من خلال الشبكة أو ما يمكن تسميتها مجازا شبكة فهي في الواقع حلقة غير مكتملة، فنحن نستقبل من المحاضر في بعض الاحيان ولا نستطيع المشاركة والمداخلة في أغلب الأوقات، بمعنى خط استقبال فقط. وفي محاضرات أخرى وحين يكون المحاضر متواجدا في فصل الطلاب، وتنقل لنا المحاضرة من خلال تلك المدعوة شبكة، فنحن الطالبات وفي قاعة أخرى بعيدة لا نشاهد الا ركناً من السبورة، إذ تُركّز الكاميرا طوال فترة المحاضرة التي قد تمتد إلى ثلاث ساعات على زاوية من السبورة بما تسمح به تقنية الكاميرا، وحين ينتقل المحاضر للكتابة « بالطبشور» في جزء آخر من السبورة فالكاميرا لا تتحرك للموقع الجديد، وعلينا التنبؤ بما سيكتب والقياس على ما سبق كتابته «السنا في محاضرة احصاء؟»، كما وقد يحدث ان تشطح الكاميرا لسبب لا نعلمه فتستقر عدستها الميمونه على بلاط القاعة فلا نعود نرى لاسبورة ولا أستاذاً، ومن ثم، فعلينا البدء في الاتصال بالمحاضر الذي يقوم بدوره بقطع المحاضرة والبدء في الاتصال بالمسئولين عن الكاميرا الذين قد يكونون في مكان آخر ومع ضحايا أخريات في قاعات أخرى، وهكذا كأننا والمحاضر لسنا في بلدين مختلفين فسحب بل في كوكبين مختلفين... الو.. حوّل... الو.... يا بنات بتشوفو السبورة؟ حوّل... الو... ايوه أيوه يا دكتور نشوف ركنها الأيمن العلوي.. ممكن تحرك الكاميرا إلى الركن الأيمن يسار؟ الو.. دكتور... دكتووور.. انقطع الاتصال.. الو..الوووو.. ايوه يا بنات معاكم... طب إبو أولو لي لو مش شايفين... طيب انتهى وقت المحاضرة ي ادكتور... «أحس ودي..... بس مش عايزة أروح النااار».