يشير البعض إلى أن عدد المكاتب العقارية بالمملكة يصل إلى 30 ألف مكتب، إلا ان العشوائية وعدم حصول نسبة تصل إلى 50 % من هذه المكاتب على أي تراخيص نظامية من وزارة التجارة والصناعة أو وزارة الشؤون البلدية والقروية، وأيضا في ضوء وجود مقار غير ثابتة لعدد كبير من هذه المكاتب واعتمادها على فلسفة التنقل من موقع لآخر من خلال تأسيس مكاتبها على كرفانات متنقلة، فإن عدد هذه المكاتب مرشح للوصول إلى ما يناهز 40 ألف مكتب عقاري.
إن السؤال الذي يثير نفسه: كم عدد المكاتب العقارية التي تعمل بشكل نظامي؟
تشير بعض التصريحات إلى أن المكاتب النظامية في القطاع العقاري قد لا تزيد على نسبة 25 %، وبالتالي فإن هذه المكاتب طالما تعمل بشكل غير نظامي، فإنها تعمل بمنأى عن الأنظمة والقوانين التي تفرضها وزارتا التجارة والعمل، بما فيها قواعد التوطين ونطاقات وغيرها.
أما السؤال الثاني الأكثر أهمية: كم عدد العمالة في هذه المكاتب العقارية ؟ ببساطة لو افترضنا أن كل مكتب عقاري يديره صاحب المكتب (مواطن) واثنان من العمالة (رغم أن بعض المكاتب يعمل فيها العشرات من الموظفين)، فإن هذه المكاتب يديرها حوالي 40 ألف صاحب مكتب، ويعمل بها نحو 80 ألف موظف.. وبالطبع في ظل رخص تكلفة العمالة الوافدة، وفي ضوء قبولها لاشتراطات ومواصفات العمل في المكاتب العقارية التي يمتد فيها العمل لساعات طويلة نهارا وليلا، فإن نسبة 80 % تقريبا من إجمالي العمالة في هذه المكاتب هي عمالة وافدة.. أي أنه من المتوقع أن يعمل في هذه المكاتب ما يعادل 64 ألف من العمالة الوافدة.. هذا على الرغم من أن العمل في المكاتب العقارية يعتبر من المهن المقبولة (بل والمفضلة لدى السعوديين)، لأنها من المهن المناسبة، التي تدخل في سياق مهن البيع والشراء عالي القيمة (بيع وشراء العقارات أو تأجيرها أو الوساطة فيها).
4400 مكتب عقاري مسجل بالرياض
في منطقة الرياض وحدها يوجد حوالي 4400 مكتب عقاري مسجل ونظامي، وعدد كبير منها يأخذ شكل شركة عقارية أكثر من كونه مجرد مكتب عقاري.. إلا إنه من الملاحظ على هذه المكاتب اختلاط وتداخل الأنشطة التجارية التي تتعامل فيها، فرغم أن بعض هذه المكتب هي مكاتب بيع وشراء عقارية فقط، إلا ان عددا كبيرا منها مضاف إليها نشاط المقاولات والصيانة والتشغيل، أو ربما هي أساسا شركات مقاولات ومضاف إليها النشاط العقاري.. ويوجد بعض هذه الشركات مضاف إليها نشاط الاستيراد والتصدير، والبعض الآخر مضاف إليها نشاط تجارة الجملة والتجزئة أو أنشطة زراعية.
وإذا كان الرياض فقط يعمل فيها 4400 مكتب نظامي، فكم عدد المكاتب غير النظامية، التي يتوقع أن لا تقل عن 4400 مكتب أخرى، أي أن الرياض يتوقع أن يكون بها حوالي 8800 مكتب.. وإذا كان هذا حال الرياض فقط، فكم العدد على مستوى المملكة؟
عشوائية المكاتب العقارية وفرص التوطين الضائعة
إن فوضى هذه المكاتب حرم السوق السعودية من إمكانية نفاذ الكثير من السعوديين لمهن مفضلة لديهم، بل عدم نظامية هذه المكاتب جعلها بعيدة عن السعودة إلى حد كبير.. فكل مكتب عقاري يعمل لديه عامل أجنبي قد يكون على مهنة سائق خاص غالبا، وبالتالي، فهو نظامي ويعمل عند كفيله، ولكن ليس على المهنة التي جاء من أجلها، ولكن يختلط الأمر في عمله كسائق وأيضا موظف عقاري في آن واحد.. لذلك، فإن التفتيش على المكاتب العقارية قد لا يكون سهلا، لأنه ينطوي على أساليب نظامية في التحايل.
لذلك، فإن المكاتب العقارية غير المسجلة نظاميا هي أبعد ما تكون عن تطبيق الأنظمة والتعليمات بشأن العمل والعمالة.. وحتى المكاتب العقارية المسجلة نظاميا، فإنها تعمل بأسلوب يمنع إمساك أية مخالفات عليها.. فحتى برنامج نطاقات لا يسرى بسهولة عليها، حيث يعمل فيها أصحابها شكلا كمواطنين.. وعمالتها هي عمالة فعلا على كفالتهم، وبالتالي، فإنها نظامية وليست نظامية في نفس الوقت.
اختلاط الأنشطة وازدواجيتها بالمكاتب العقارية
من أصعب الأمور التي يمكن أن تواجهها الجهات النظامية في تصحيح أوضاع المكاتب العقارية، هي اختلاط وتعدد أنشطة المكاتب العقارية أو ذوبانها ضمن عدد كبير من الأنشطة الأخرى.. فعندما تبحث عن مكتب عقاري ستجد لافتته بسهولة، ولكن عندما تبحث في أصلها قد تجد سجلاتها وتراخيصها عبارة نشاط جملة وتجزئة أو مقاولات أو استيراد وتصدير، وبالتالي فقد يكون التفتيش عليها من الصعوبة بمكان، بحيث يصعب فصل العمالة المخصصة للمكتب العقاري عن العمالة المخصصة للأنشطة الأخرى بالشركة أو المكتب.
مهلة التصحيح ونتائجها المتوقعة
أعطت الجهات المعنية مهلة ثلاثة شهور لكي تصحح المكاتب العقارية أوضاعها وتوفق أوضاعها وأوضاع عمالتها مع القواعد الجديدة.. فهل المكاتب الحالية قادرة على توفيق أوضاعها ؟
ثلث هذه المكاتب (33.0 %) هي شركات ومكاتب عقارية منظمة أو مكاتب عقارية كبرى، ولديها عملاؤها، ولن تجد غضاضة في تنظيم أوضاعها، ولن تعاني من هذا التصحيح.. ولعل هذه المكاتب التي يصل عددها إلى 13 ألف مكتب وشركة عقارية ستجني نتيجة هذا التصحيح، وربما تنتعش أعمالها أكثر من ذي قبل، لأنها ستكتسب عملاء جدد نتيجة معاناة المكاتب الأخرى وعدم قدرتها على تصحيح أوضاعها.. وهذه المكاتب العقارية المنظمة ينبغي معرفة أنها تعاني كثيرا الآن من منافسة مكاتب غير منظمة وغير مسجلة.
أما الثلث الثاني من المكاتب العقارية (33.3 %)، فإنه يمكنها أن تعدل وتصحح أوضاعها وأوضاع عمالتها، رغم أن هذا التصحيح سيشكل عبئا ماليا ونفقات إضافية عليها نتيجة اضطرارها إلى إحلال عمالتها الوافدة الرخيصة بعمالة سعودية بشكل منظم، وهذه الشريحة ستقل أرباحها الكبيرة التي كانت تحققها دونما أي أوضاع نظامية.
أما الثلث الثالث (33.3 %) من هذه المكاتب، فهي غير مؤهلة للتكيف مع التعليمات الجديدة، ولا يتوقع أن يكون في مقدورها تصحيح أوضاعها.. لذلك، فإنها معرضة للإغلاق، خاصة أن عددا كبيرا منها إنما هي مكاتب للتستر، يديرها أو يسيطر عليها عمالة وافدة بشكل كامل.
إذن لدينا نحو 13 ألف مكتب مرشح للإغلاق والخروج من السوق، في مقابل 13 ألف مكتب أخرى يتوقع أن تتحول إلى شركات أو مكاتب أكبر وتحقق أرباح أعلى.
إن قطاع المكاتب العقارية من القطاعات الحساسة، وتسعى معظم الدول لتنظيمها وتنظيم أعمالها، لأنها تدير عملية تسكين واسعة للمساكن المستأجرة، وبالتالي فإن عدم تنظيمها قد يؤدي إلى مشكلات عميقة بالمجتمع نتيجة تباين هويات وأهداف هؤلاء السكان، خاصة أن المملكة يقطنها ما يناهز 10 ملايين وافد من جنسيات مختلفة.