«في رواية أخرى» هي أولى الإصدارات الروائية للقاص والصحفي الجزائري علاوة حجي، بعد مجموعته القصصية الأولى «ست عيون في العتمة « هذه الأخيرة التي كشفت عن النفس الروائي المختفي في سرد القاص.
الواقع أن القارئ لهذه الرواية المختزلة في تفاصيلها، الضاجة بالعوالم المفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة - المستحيلة، يكتشف أن حاجي بعوالمه الغرائبية ولغته السهلة الممتنعة وحبكته التي تعتمد على الزمن الدائري الذي ما أن يبدأ من نقطة حتى يعود إليها مجددا دون أن تعوزه الحيلة او تسقط من بين يديه اللحظة الإبداعية، إنما يمارس «لعبة» مغوية في التفكيك وإعادة التركيب الزماني والمكاني، بأسلوب متخم بالعبث اللامحدود دون أن يفلت منه الخيط الرفيع الرابط بين الأحداث والعوالم والحواديت الممعنة في الصغر.. ليجد القارئ نفسه - أمام الأمواج المتتالية لدوائر الاحتمالات المتناسلة عن بعضها البعض- في حيرة السؤال.. كأن العبث يأخذ منحى مرسوما مسبقا بحدس رفيع..وهو ما يفرض على القارئ أن يكون جزءاً من هذا التتالي المسكون بالأسئلة.. أو كأن الامر عبارة عن «ورشة « مفتوحة في كل لحظة.. تمد خيوط رواية ما، قبل أن تعيد فضها، لتنسج «رواية أخرى» باحتمالاتها الجديدة والمتعددة.
رواية «علاوة» لا تمارس التجريب على مستوى الشكل فحسب بل تذهب بعيدا لتفكك في العمق ، ولتقيم مساحة شاسعة بينها وبين الشكل المألوف للرواية الجزائرية،. وهو الأمر الذي قد لا يروق للكثير من المرافعين للشكل التقليدي للرواية.. لكن - نتصور- أن السؤال الذي ينبغي طرحه دوما عند تناول اي منتج أدبي - في الأساس- ينطلق من حقيقة القيمة المضافة التي يمكن أن يحققها هذا المنتج، و وفقا لهذه الرؤية فإن ما فعله «حاجي» في هذه الرواية، هو قدرته على إقامة هذه المساحة الفاصلة بين إصداره، وإصدارات الغير.. وهو ما يمكن تسميته بصناعة الفرق أو الاختلاف. حتى لا نقول «قطيعة». وهي قيمة مضافة بلا شك لمسيرة الأدب الجزائري، في ثوبه الشاب والمتطلع إلى الاختلاف شكلاً ومضموناً.
شخوص «في رواية أخرى» أيضاً مختلفين سواء في تيمة التسمية المتماهية والمتقاطعة مع بعضها البعض ( من أناس عاديين إلى شوارع وجمادات..الخ) أو على مستوى نحت الشخصية المتعددة الأبعاد والأدوار حيث تتداخل الأسماء والصفات والأدوار والشخصيات بشكل غير مألوف.. لتمارس لعبة إغواء بعقل وبذاكرة القارئ، بجانب لغة حوار جريئة وصادمة تمزج بين الفصحى والعامية.
ليست اللغة وحدها الصادمة بل قد تتعثر كثيرا في التداخل القائم بين الأحداث والشخوص والمسميات. من شارع إلى شخص إلى عصا إلى إحداث تتناسل في كل لحظة حاملة اسماً واحداًً وتيمات متعددة. واحتمالات لا تكف عن دفعك نحو تصور القادم قبل أن تتركك حائماًً وخائباًً بأحداث غير متصورة.. وأحياناً تدفعك لطوي الصفحة مؤقتاً من أجل تأمل لوحة الغلاف الذي لم تنتبه أنه جزء أصيل من أحداث العمل وتفاصيله. حتى إن أمعن «حاجي» على عدم تسميته أساساً بـ «رواية» ! انها ليست مجرد رواية وإن بدت كذلك -أو أقل- لكاتبها!
ولا مناص من القول أن هذا العمل المختلف حد الصدمة يعيد صياغة السؤال عن إشكالية «الكم والنوع» في الصناعة الروائية الجزائرية، ليضع الكم جانباً وينتمي للنوع في شحه وتقشفه. عمل يستحق القراءة النقدية الواعية والمتخصصة بعيداًً عن الركون لخاصيات التنميط القائم على الشكل الكلاسيكي الذي طالما احتكم لذائقة بعينها أو لرؤى وقواعد» الأسماء المكرسة» بحكم طبيعة الأشياء او لعبة «الماركيتنج» التي روجت لردح من الزمن لنمط بعينه.. كأن هذا العمل ولد من مخاض تجربة جديدة، ليقول شيئاً مختلفاً أو ليقيم قواعد حديثة. ويؤسس لميلاد رواية تنتمي لجيل يتجاوز الشكل بكل ما تعنيه المفردة من معان.
ملاحظة لابد منها:
لأن التوزيع جزء من العملية الإبداعية فإن من المحزن أن نكتشف أن القارئ قد لا يتعثر بهذه الرواية على رفوف مكتبات العاصمة الجزائرية، نظرا لضعف الاستراتيجية المتبعة من قبل الجهة الناشرة.
وهنا من الواجب أن نهمس في آذان «المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار» من أجل تدارك الوضع سريعاً. لأن الأمر لا ينبغي أن يتوقف في محطة تحويل المخطوط إلى منشور في غياب سياسات ناجعة للتوزيع.