قال شاعر عربي ذات يوم بعد أن مر بتجربة مريرة خيبت آماله قال ذلك البيت الذي يعد من عيون الشعر العربي:
رب يوم بكيت فيه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
هذا هو حال الدول العربية التي قيل عنها أنها تعيش ربيعا عربيا. إن شعوب تلك الدول تتجرع اليوم نتاج هذا الربيع ولا تكاد تسيغه هذا هو نتاج الصوت الغوغائي الذي جعل العاطفة إماماً والعقل مأموماً.
إن كان هناك في تلك الدول باطلاً أُجهز عليه عن طريق الصوت الغوغائي فما ذلك إلا باطل ربما أنه أزهق حقاً!! فكانت تلك الدول قبل أن يأتي عليها الربيع العربي المشؤوم كانت في خير وعافية وليس معنى كلامي هذا أني أقول إن تلك الدول كانت جنة عدن الموعودة كلا - لا يمكنني كما لا يمكن لغيري أن يتفوه بمثل هذا الكلام.
ولكن على أقل الأحوال كان الأمن والأمان ولقمة العيش يضربان أطنابهما على تلك الدول.
إن الربيع العربي المشؤوم ما هو إلا برق خلب وأحلام كاذبة وأماني سراب.
إن من مخرجات هذا الربيع العربي ما هي إلا أنهار من الدماء وما هي إلا صيحات الثكالى وأشلاء الأطفال ودموع الشيوخ، إن فتنة الربيع العربي التي أطلت علينا برأسها يوم قاد مسيرتها شبابُ أغرار يصيحون هنا وهناك وصوت الصدى يرجع عليهما بالويل والثبور.. إن الربيع العربي ما هو إلا مع الأسف الشديد عدوى ومحاكاة طائشة لذلك النشاز هنا وهناك.. إن الشاب العربي الغر لم يُعرف منه إلا الدم الحار الذي يغلي بقلبه ولا يعنيه في أي سبيل كان سواء كان في سبيل الحق أو الباطل!! إن أي نتاج فكري أو سياسي يقود زمامه الأغرار ما هو إلا خداج بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى..واسمعوا لتلك الحكمة العربية التي يُكتب مدادها بماء الذهب (رأي الشيخ خير من مشهد الغلام) إن وحي السماء لم يأمن عليه الله تعالى إلا الرجال الذين بلغوا رشدهم فما أنيطت الرسالات السماوية إلا برقاب رجال بلغوا رشدهم قال تعالى {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} إذا كان وحي الله لم يعط إلا من نضج مع العلم أن وحي السماء ما هو إلا الكمال بعينه ومع ذلك لم يقلد إلا برقبة شخص تام الرشد.. إن أي سلوك يُصهر في بوتقة الشباب فهو عقيم خر عليه السقف من فوقه.
إن أمر الأمة يجب ألا يوكل إلا لرجل حلب أشطب الدهر تجربة وحنكة كر الأيام والليالي. إن الميادين في الوطن العربي التي كان فيها الربيع العربي ما هي إلا ميادين فتنة وسوء. إن الخير والشر لا يبصران إلا ببصيرة ثاقبة بعد تمحيص وروية، فالخير هو معرفة خير الخيرين، والشر معرفة شر الشرين.. وإلا فالحيوان يعرف الخير من الشر.
إني هنا أناشد جميع الدول العربية التي شهدت أرضها الربيع العربي وتلك الدول التي يحاول شبابها أن يجربوه أن يحتذوا بدول الخليج العربي التي عرف شعوبها مآلات هذا الربيع وما جره من ويلات ومشاكل!! إن دول الخليج العربي حفظها الله تعالى لهي مثل ناصع يجب أن يحتذى به كيف لا وهي تعيش أمنا وارفا لا يعكر صفوه معكر، نجوب بلداننا طولاً وعرضاَ بالليل والنهار لا نخاف إلا من ربنا.
إنني إذا قلت: إننا بخير وملأت فمي بهذه العبارة فإني أعرف أن الرخاء والسعادة يكمنان في الأمن ولقمة العيش وإن عزت أحياناً، إن الله تعالى في وحيه الطاهر عندما ذهب يمتن على قريش قال عنهم {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} إذا كان الله تعالى قد شخص لنا معيار السعادة في هذين الشيئين فما هي إلا الحقيقة بذاتها وما سوى ذلك فإنه لا ينفع وجوده عند الغني ولا يضير الفقير فقده.
إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- فصيح العرب يقول (من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت الدنيا له بحذافيرها) إنه مع الأسف الشديد مع كوننا في دول الخليج العربي نعيش هذا الرخاء فإن بعض دول العالم العربي يقولون لنا لماذا لا تحذونا حذونا نقولها بصراحة ونصبها في الأفق البعيد هيهات هيهات! كيف نحذو حذوهم ومحاجر عيني ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تسيل قبل الدموع دما شفقة ورحمة بشعبه ،وهذا الكلام ينسحب إلى جميع ولاة الأمر في خليجنا العربي.. فلا نريد أن يقع بنا ما وقع بكم..إنما الواجب علينا نحن شعوب الخليج العربي أن نحمد الله ونشكره فيزيدنا الله من فضله هذا هو وعد الله الذي لا يخلف وعده.. إذا كان للعيش الرغيد الذي نعيش فيه نحن دول الخليج العربي مدخلات أفضت إلى مخرجات حميدة فهي أننا خفنا الله في ولاة أمرنا وولاة أمرنا خافوا الله فينا.. إن لدين الله الذي هذه أوامره أثر حميد على مستوى الدول والأفراد فمن أطاع الله قرنت له الدنيا والآخرة ومن عصاه تفلتت منه الدنيا والآخرة..إذا كانت النعمة التي بين أيدينا ليست منبثقة من سواعد فتية فهي من أثر الإيمان العميق بالله، هذا هو شأننا اليوم نحن دول الخليج العربي فإذا زال الإيمان لا سمح الله فسوف تنزع منا هذه النعمة.. إذا فالذي لا يملك أسباب الأرض خليق به أن يتشبث بأسباب السماء.
وختاماً حفظ الله بلداننا من الماء إلى الماء من كل سوء وحل بوطننا العربي بأسره الأمن والأمان ليعيش الرخاء كل الرخاء.