لو أُخِذَ الناسُ بما يلفظون، لذهبوا إلى جحيم علاقات بعضهم ببعض في الدنيا..,
والله تعالى يُنبئنا بأنه هو تعالى لا يؤاخذ عبيده بلَغْو الكلام.., وله المثل الأعلى سبحانه..
وفي خلقِه جَبلَ المرءَ من البشر على الخطأ..، والسهو..، والنسيان.., كما على الخير، والشر جبَله..
وجعل العقلَ ميزان التفريق, العلمُ في كفةٍ، والجهل في الأخرى..,
يُرجِّحُ العلمُ التقوى, ويُلغي الجهلُ الضوابطَ..
لذا وفق قانون كفةِ العلم لا يؤخذ المرء إلا بكفر عيان, وفعلٍ بيانٍ..
وتبقى نواياه من شأن ربه.. إلا ما جاء عن كفَّة الجهل.. تلك التي زادت بين الناس بحملها غثاءً, وتجاوزا..
إذ تفشى ضعف منهج التفكير السليم بينهم، وتجاوزوا في خدش بعضهم, والتطاول على بعضهم..حتى بلغوا حدود النوايا.., وهي ليست من شأن البشرِ..
وتُلخَّص هذه القاعدة في حديث نبي الهدى عليه الصلاة، والسلام « لا تجسسوا.. ولا يغتب بعضكم بعضا.., «، وفي آيِ الله العظيمة: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} عبس 3-4، بما يجعل أمرَ الحكم على ظاهر القولِ، فيما لا يملكه المرءُ من خبيء النية شأنا ذا بال لارتباطه بالله تعالى وحده دون سواه..,
فالنية موطئها القلب، وهو من شأن الرب..,
فعواهن القولِ ليست من شأن البشر.., إذ تجاوز عنها الربُّ تعالى لربطها بالنية خاصَته سبحانه وتعالى..، إلا كلمة الكفر, والإصرار عليها..، فمن الذي يمكنه من البشر أن يقتعدَ مقعد ظلمٍ وهو يجترئ على عمل الربِّ في محاسبة العبدِ، وهو يعلم..؟!
هذه القاعدة تذكرني بما قالته امرأة أبي الدرداء حين سئلت : «ما كان أفضل عمل أبي الدرداء فأجابت « التفكُّر, والاعتبار» ..
ولعل التفكُّرَ سبيلا للتمعُّن، والرَّوية، والفحص، والعودة لمظان الحقائق.., بينما الاعتبارُ يقلِّبَ الأمورَ قبل الحكم عليها على محجة التيقن..، ووضوح الأدلة.., والاعتبار من المواقف.. ولعل خير مثلٍ لها وأولها موقف رسول الله صلى الله عليه من أكبر رؤوس المنافقين, «عبدالله ابن السلول» حين تركَ أمرَ نيته إلى ربه.. واكتفى بظاهرِ قوله..!
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز شأنَا يخصُّ ربَّه في خلقِه، فكيف بالبشر الذين بعدوا كثيرا عن النهل من سنته, وهديه عليه الصلاة , والسلام, وقد تكالبت عليهم الأفكار, والتوجهات, وضعف التفكير بسيلِ ما يتقاطرُ إليه من المتناقضات , واختلطت مياه النهر العذب , بالبحر الأجاج..؟
دعاني لهذا القول ما نقرأه , ونسمعه، وينتشر بين الكثير الكثير من أمور بين الناس تقع تحت خطوط التأويل لما يقول بعضهم، فيفسره بعضهم بتأويل نواياهم فيه وفق رؤية المفسر, ومن ثم التعامل مع بعضهم وفق هذا التفسير والتأويل .. سواء بين عامة الناس و خاصتهم.. بما يوقع الفرقة, ويشيع الظلم, ويفرق بين الناس, بل يعرضهم لمواقف حاسمة..
ولا نأمل أن يصل الأمر في شأنٍ يمس مواقفهم, وسلامة نواياهم , بمجرد أن لا يحسن أحدٌ منهم فَهم َغيره.., فتفسد الحياةُ بظلمهم بعضهم بعضا.. ويشيع الغبنُ..
لقد كثر السَّفهُ بين الناس.., وعمَّ جناحٌ من أجنحةِ الجهلِ على سمائهم، وبات التَّأني , والاعتبار مسطرةَ سلوكٍ ليتهم لا يحيدون عن مسارِها قيدَ أنملة..
والله الهادي..