لمعالي الأديب الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
- بنت الأعشى -
معالي الأديب الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد - يحفظه الله ويرعاه - أديب واقعي اجتماعي محب للأدب حتى الثمالة، وتتجسد هذه السمات في كتب ثرة ثرية ثلاثية وهي روايته الأولى (نساء في مهب الريح) ثم ديوانه الشعري (فيض الخاطر) وثالثة الأثافي روايته الدرامية الواقعية الاجتماعية (بين جزيرتين) وهي التي تقع عزيزي القارئ قراءتها الأدبية بين أناملك المعطاءة الذهبية المتذوقة، وهذه الرواية جسد وتجسيد لقصة تراثية ذات حقب زمني طويل يقرب من مائة وخمسين عاما سمعها المؤلف - حفظه الله - ثم نسجها في ثوب سندسي مخملي درامي فحواها يقوم على أكتاف شاب قروي فيه نبوغ وذكاء وألمعية وقع بين أيدي سياح برتغاليين لمحوا فيه الفطنة والحنكة والحكمة فأغرتهم سماته ووسماته بأن يأخذوه إلى بلدهم وعنوا بتعليمه وتثقيفه حتى حصل على أعلى الدرجات العلمية وهي الدكتوراة وكان بها جديراً، لكن حب الوطن وعشق الأرض أعاده إلى قريته البسيطة، وشاءت الأقدار حيث حدث عراك بسيط بينه وبين جاره فنتج عن هذا العراك وفاة الجار ومن ثم حكم على الفتى بالقتل، وبين مد وجزر وشد وجذب بين عقلاء القرية انتهى بهم الأمرإلى قذفه في بحر زاخر زاخم متلاطم الأمواج، وقربت ساعة الفراق، وهم الفتى بالهلاك، لكن إرادة الله فوق كل إرادة حيث ساقته يد الأقدار العادلة إلى جزيرة نائية كل النوء، بائنة كل البين، عن مسقط رأسه وفلذة قلبه، هي جزيرة جد متواضعة تتسم بسمات ثلاث لا رابع لها، الإلحاد والجهل والتخلف، فشاءت إرادة الله أن يحيي عظام الجزيرة وهي رميم، حين ساق هذا الفتى المسلم الصالح المتعلم إلى أهلها، فشرع في نشر الدين الإسلامي بين أيديهم فأسلموا، ثم ابحر في تعليمهم اللغة العربية فأجادوها، وبدأ في سير حثيث جاد في بناء دولة إسلامية على أرض هذه الجزيرة النائية البائدة، فكان له ما أراد، وتحققت مناه وأمانيه فأشرقت الحضارة، وارتفعت العمارة، فكان حقيق كل الحق أن ينسب له تأسيس دولة ذات علم وثقافة وسياسة وتنمية وإشراق، اخلص الإخلاص كله، وبذل الجهد كله، فما وجد من أهل هذه الجزيرة إلا مدّّّ يد العون إليه، والعمل معه في صورة جسد واحد، وبنيان متطاول، ويد الله مع الجماعة.
ولم تذهب رحلته العلمية، وراحلته التعليمية في أرض البرتغال سدى مهملة، بل طبق ما تعلمه بحذافيره وسياسته على أرض الجزيرة، فبادلها حباً بحب، وواصلها عشقاً بعشق فتزوج على أرضها، ومن بنات تربتها، وأنجب من فلذات كبدها.
وتمضي رواية: (بين جزيرتين) بواقعية جادة، وخيالية سائدة في (307) ورقات من القطع الفذ الكبير، أعجبني في هذه الرواية الذكاء الخارق، والأسلوب الراقي، والحلم والجلد والصبر عند هذا الفتى، فكان له ما أراد، ثم العقل المتفتح حتى ولو كان صاحبه جاهلاً عند أصحاب الجزيرة، فهم يتسمون بوعي وذكاء شديدين ثم حرص حريص على تطوير ذواتهم، وتنمية عقولهم، وبناء جزيرتهم، والاستفادة من طاقات الفتى ومواهبه وقدراته:
نفس عصام سودت عصاما
وعلمته الكر والإقداما
وسيرته بطلاً هماما
حتى علا وجاوز الأقواما
ومما أخذ بتلابيب إعجابي قدرة بطل الرواية على تقريب الدين لأهل الجزيرة عن طريق الاقتباس القرآن الذي وظفه بطل رواية - بين جزيرتين - في أن يقنع أهل الجزيرة أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت، هذا الدين بحذافيره كان الداعم (السعيد) فتى الرواية أن يتقن أربع لغات العربية والبرتغالية والإنجليزية ولغة الجزيرة التي ساقته الأقدار لها وهي تدعى (كرموس)، ومعالي الأديب الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد كاتب سياسي محنك من الدرجة الذهبية الأولى، وأجمل وصف لهذه الحنكة السياسية، والحكمة الدولية، ما سطره يراع الدكتور القدير عبدالرحمن بن صالح الشبيلي في استهلالة الكتاب الميمونة الماتعة حيث قال: (كانت قمة العمق الموضوعي للرواية عندما بدأ بلغة خلدونية يصف أسس إنشاء الدول، وأساليب اختيار الحكومات، ويضرب الامثلة للأنظمة السياسية المختلفة، ويستعرض نظريات أصول الحكم، بعد أن تمكن هذا اللاجئ المستوطن (سعيد) من أن يحوّل شعب الجزيرة (كرموس) بأكمله من سكان لا دين لهم إلى اعتناق الديانة الإسلامية)، والرواية بحق وحقيق ماتعة وشائقة يقول الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في خاتمة ارهاصته للكتاب: (... لقد أمضيت معها سويعات صفاء، نجحت في شدي للاستمتاع معها، والإعجاب ببراعتها في تحويل الأسطورة إلى رواية، حتى أصبحت بذلك جاهزة لأن تصبح عملاً درامياً تلفزيونياً).
وظريف الرواية وطريفها كثير كثير جداً، منها على سبيل التمثيل لا الجرد والحصر تلك اللوحة الأخاذة التي رسمت بريشة فنان متذوق موهوب المطلع الرواية، حيث يقول معالي الراوي الأديب عبدالرحمن أبو حيمد في فاتحة الرواية ما فحواه: (اسمعون) قرية ريفية حالمة جميلة المناظر، قديمة المآثر، تقع في جزيرة نائية وشبه معزولة، وتزينها من الداخل أنواع كثيرة من أشجار النخيل، صنوان وغير صنوان، ولذلك سموها جزيرة النخيل، تتربع القرية على سفح جبل كبير، وتحيط بها سهول خصبة، ووديان رحبة، حرفة أهلها مثل كل جزيرة صيد الأسماك، والبحث عن اللؤلؤ والمرجان وكنوز البحار، بالإضافة إلى زراعة مؤونتهم من الحبوب والنخيل والأنعام وتربيتها والمتاجرة بها من المهن المحببة إلى سكان الجزيرة، يسعدون بها حين يريحون وحين يسرحون وحين يسيمون)، ومما سبق قبل برهة من الوقت قصيرة كل القصر، أسلوب السجع غير المتكلف لناسج الرواية، إضافة إلى تطعيم هذا السجع بألفاظ قرآنية فصيحة بليغة، اعطت الأسلوب جمالاً على جمال، وصبغت صدفيات الرواية نضارة على نضارة، وبهاء على بهاء.
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
ولي وقفة قصيرة حول حوار رواية بين جزيرتين، فهو حوار هادف أجاده الروائي كل الإجادة، واستطاع أن يعطي به فكرة عن أحداث الرواية وأحاديثها، وعن زمانها ومكانها فهو أعني معالي الروائي عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد، محاور ماهر لا غرابة ولا فجاجة ولا صعوبة ولا عسر في تشرب القارئ أحداث الرواية بحدها وحديدها، وبقليلها وكثيرها، وفيه تشويق وإثارة ومن ثمة قناعة وإجادة.
وبطل الرواية وفتاها (سعيد) استطاع معاليه أن يجعله رافضاً لكل العثرات والتحديات التي واجهته، وحاولت الفت في عضده، بل جعله يجبر نفسه على قبول التحدي، ومواجهة الشرور التي تحاول هزم إرادته، وتقويض همته، والعبث بمهمته، فرسمه بريشة إيمانية نورانية وضاءة لا تعرف إلا الخير والإيمان والصبر وحسن التوكل على الله سبحانه وتعالى، بعيدة كل البعد عن التواكل والهزيمة واليأس وظلمة النفس. وجاء موضوع الرواية درساً جميلاً يتلقنه القارئ المتذوق بحلاوة وطلاوة ولاسيما حين يتابع أحداث رواية - بين جزيرتين - ويرى بطلها وشخصياتها العصامية كيف تغلبت على الإلحاد والجهل والتخلف فغدت صورة نضيرة يطرب لها الناضرون، ويتفنن في سرد أحداثها المتفنون.
عنوان التواصل: