إشارة إلى ما نشرته الجزيرة بتاريخ 16-3-1435هـ، تحت عنوان (ومسيرة التطور)، بقلم أخي عبدالله بن علي الشائب، الذي تحدث فيه عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا الصرح العلمي الشامخ، ومما قال: «وخلال السنوات التسع الماضية شهدت الجامعة حراكاً علمياً وثقافياً وانتشاراً توسعياً في التخصصات العلمية، كالطب والهندسة والحاسب الآلي؛ ما دفع بها إلى الوصول إلى المستويات العالمية علمياً وأكاديمياً حتى دخلت في مصاف قائمة أفضل مائة جامعة آسيوياً، وحققت المركز الثالث على المستوى العربي، بل على مستوى الجامعات السعودية..» إلخ.. وأقول: هذا أهم ما قاله، وهنا أريد أن أضيف بأن طموحات الجامعة واسعة ومتتابعة حتى لقد تعدت محيطها الداخلي على مستوى معاهدها العلمية؛ فأنشأت ثلاثة معاهد خارج المملكة في إندونيسيا وجيبوتي واليابان.
ولا شك أن ذلك رغبة منها في تمكين سكان تلك الأوطان من العلوم المختلفة، وفي مقدمتها الشرعية، بل تخطت هذا النهج إلى الدراسات الجامعية، وذلك حينما صارت تمنح فرصاً دراسية لعدد من الطلاب والطالبات من مختلف الجنسيات، منها الفلبينية؛ ليواصلوا تعليمهم الشرعي الجامعي بها، وليعودوا لأوطانهم محملين بالعلوم الشرعية والتربوية، ولينقلوها لأبناء وطنهم المسلمين آخذين على عواتقهم العمل على نشر الدين الإسلامي في وطنهم الفلبين. هذا النهج يبشر بالخير.
وحقيقة، إن من ينتسب منهم إلى تلك الجامعة يحصل على مكافأة 800 ريال كل شهر من أشهر الدراسة، وهي ثمانية أشهر تقريباً، وعدد من هؤلاء يصطحبون معهم أسرهم إلى المملكة، فيضطرون إلى استئجار منازل لهم، وبالطبع لا دخل لهم سوى تلك المكافأة، لا من قريب ولا من بعيد، وهي محددة المدة بالسنة الدراسية فقط، فيا ترى هل ستغطي تلك المكافأة مصروفاتهم اليومية من مأكل ومشرب وملبس لهم ولأطفالهم (من 3 إلى 5 أطفال مع كل أسرة)، إضافة إلى استهلاكهم من الماء والكهرباء؟ وفرضاً لو ربطوا الأحزمة، وعاشوا في تقشف، وغطت تلك المكافأة بالكاد شؤونهم الاستهلاكية، لكن لا ننسى أن تلك الأسر تستأجر مساكن متواضعة جداً، وأجرة المسكن في السنة ما بين ثمانية آلاف واثني عشر ألفاً، فمن أين سيدفعونها فيحلوا ضيوفاً ثقلاء على أي من زملائهم؛ ليعيشوا معهم أياماً حتى يسددوا الأجرة، ولكن كيف ومن أين؟ فيضطرون مكرهين إلى عرض مشاكلهم وحاجتهم على البعض من أهل الإحسان والجود في المساجد على استحياء تتفطر منه القلوب، فما لهم إلا ركوب المصاعب، فويلي منك وويلي عليك، بل أحياناً يعيش البعض منهم في مسغبة، يبحث عن حفنة الأرز غداءً أو عشاءً، وأحياناً يعيش في ظلمة، ويعاني من حر الصيف وزمهرير الشتاء لفصل التيار الكهربائي من قِبل المالك، والناس غافلون عنهم، حتى الجمعيات الخيرية لا تنظر إلى أحوالهم، ولا تعترف بأزماتهم وشدة عوزهم.. أقول هذا ليس تخرصاً، وإنماً من واقع عايشته سنوات معهم، بعد أن تعرفت عليهم وعلى وضعهم. أقول بكل صراحة إنهم يعيشون في مسغبة متناهية وفقر مدقع.. والعجيب أنهم يتحملون كل هذا من أجل الحصول على العلم وتحقيق الطموحات؛ لينضموا إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية في وطنهم؛ ليعملوا معاً على نشر الإسلام في بلادهم، وهناك قلوب خصبة لقبول هذا الدين العظيم. من أجل هذا أقترح على جامعة الإمام، وعلى رأسها معالي مديرها الدكتور سليمان أبا الخيل - وفقه الله - وهي دائماً سباقة إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، أقترح أن تفتح كلية شريعة وتربية إسلامية في المكان المناسب وفي المدينة التي يقع عليها الاختيار لتعليم هؤلاء في وطنهم، وبجوار أهليهم. على أية حال، لا شك أن هذا أفضل بكثير من عيشهم على تلك الحال التي أراهم عليها هنا بين الغربة والكربة.
وأكل كسيرة في جنب بيتي
أحب إلي من أكل الرغيف
أتمنى ألا تتوانى تلك الجامعة الفتية عن هذا المشروع الخيّر، ولا شك أن في ذلك منفعة عظيمة لما فيه خدمة أعظم لنشر الإسلام هناك. وبالله التوفيق.