يروق لي أن أكتب عن المملكة العربية السعودية أحياناً، ليس من باب اللغو من القول، أو التباهي المقيت المنتشر في جميع الدول العربية من المواطنين المعتزين ببلادهم، ولكن باعتبارها تجربة فريدة في الاستقرار، واحترام الحكومة لمواطنيها، والسعي إلى إسعادهم، وكما قال مرة الملك فيصل: (اللهم أبقِ لبنان ملاذاً لكل محروم وملجأً لكل مظلوم) ولم يتسنَ للبنان أن يكون كذلك، وذلك لبيع سياسييه له، وعدم الاكتراث لمصيره، ولكن المملكة العربية السعودية أصبحت هي الملاذ والملجأ، لأنه توفر فيها العدالة والاستقرار، وظروف العيش التي تمكّن المرء من أن يعيش بكرامة وحرية.
لقد ساد هذا الوضع في المملكة العربية السعودية لإدراك قادتها أن دور الحكومة هو السير بمواطنيها على طريق التنمية بحيث يكونون في المقدمة وألا يبعدوا في التقدّم عن نظر مواطنيهم، وأن السياسة الحكيمة التي تمكّن الدولة من الاستقرار هي استشراف القادم الحتمي، وما لا دافع له، والعمل على التكيّف معه، أو خفض ضرره، أو زيادة إيجابياته.
وأذكر مثلاً يوم أن كانت المملكة تتصدى لمدٍّ اشتراكي ظالم أن بعضاً من المتشدِّدين الرجعيين يقومون بالتجسس على المنازل لمحاولة إيجاد ثم إسكات الأصوات التي تهاجم سياسة المملكة، وكأنهم بهذا يريدون أن يصمتوا بطريقتهم البدائية ما تحمله أجواء الأثير، ما مكَّن المملكة العربية السعودية من الصمود في وجه هذا الهجوم عليها وعلى سياساتها، وأن الله حباها بعدالة عقيدتها السماوية، وإدراكها أن ما عدا هذه القوانين هي قوانين إنسان تحتمل الخطأ والصواب، وأنه لا قدسية لها، وليست في حماية من النقد، ولذلك كان من الممكن أن تسير المملكة العربية السعودية بخطوات ثابتة من غير أن تسبب صراعاً بين الفصائل في مجتمعها.
كانت طريقة الفيصل - رحمه الله - في إحراز التقدّم بالأمة هي تقديم الاختيار على الفرض، ولو جاء من الحكومة رغبة في فرض قانون من القوانين أو نظام من الأنظمة فيتاح لمن لا يقبله أن يتحفظ عليه، ويمضي الوقت إما أن يتغلب رأي من يتحفظ عليه أو يختفي من له تحفظ على هذا القانون وبذلك يتحقق المطلوب من غير صراع بين شرائح المجتمع.
ولنا في تطبيق تعليم المرأة نموذج لما كان يسير عليه الملك فيصل - رحمه الله - وبهذه المناسبة فإنني لا أشعر بأن هناك قضية اسمها قضية قيادة المرأة للسيارة أو عدمها، فالحل لهذه المشكلة هو من شدة الوضوح بحيث لم يخطر ببال أحد، فلو طبقنا نهج الفيصل في الاقتراب من هذه القضية لوفرنا الخيار لأفراد المجتمع السعودي بالسماح أو عدمه لنسائهم بالقيادة، فإذا لم تتخذ الدولة المبادرة في توفير هذا الاختيار لبقيت القضية إلى ما لا نهاية.
فقط إذا أدركنا فعالية هذا الاختيار نكون قد حللنا المشكلات التي تعترض مجتمعنا.
ولِمَ لا؟