عمَّت الزغاريد رحاب المجلس التأسيسي في ساعة متأخرة جداً من ليلة أول أمس، بعد المصادقة نهائياً على الدستور الجديد بأغلبية 200 صوت من جملة 216 نائباً فيما احتفظ 4 نواب بأصواتهم ومعارضة 12 نائباً آخر. في جانب آخر، حلّت عقدة الحكومة الجديدة بعد أن تولى رئيس الحكومة المكلّف مهدي جمعة تقديم فريقه الحكومي المتكون من كفاءات وطنية مستقلة، حيث حافظ وزير الداخلية لطفي بن جدو على منصبه على رأس الهيكل الأمني بعد مشاورات مضنية أجراها جمعة طيلة يوم أول أمس الأحد. فلم تكد تبزغ شمس أمس الاثنين إلا وقد حلّ التوافق محل النزاع والتجاذبات السياسية التي ظلت على مدى الأشهر الماضية الخبز اليومي للطبقة السياسية وللتونسيين جميعاً الذين طالت محنتهم حتى ظنوا أنها ستلازمهم على مدى المرحلة الانتقالية الجديدة. إلا أن المخاوف التي بددها الانتهاء من الدستور رسمياً، والإعلان عن قبول كافة الأطراف بالتشكيلة الحكومية الجديدة، لم تنته بعد، حيث طلع حزب العمال اليساري المعارض بمساندة الجبهة الشعبية، ببيان شديد اللهجة توعد أنصار التيارين من خلاله الحكومة الجديدة بالويل، على خلفية إبقاء رئيس الحكومة الجديد للطفي بن جدو على رأس وزارة الداخلية على الرغم من الحركات الاحتجاجية الواسعة التي شنَّها اليسار طيلة الأيام الماضية، في مسعى للضغط على جمعة وأثناءه عن قراره. وتنفس التونسيون الصعداء صباح أمس وتداولوا أحاديث فيها الكثير من الراحة النفسية والتفاؤل الذي عمّ الشارع التونسي ليس بالمصادقة على الدستور الجديد فحسب أو بإعلان التشكيلة الحكومية أيضاً، إنما يرجع سبب الفرحة العارمة التي سيطرت على الأنفس، إلى احتفاظ مهدي جمعة بن جدو وزير الداخلية الذي أبلى البلاء الحسن في مكافحة الإرهاب وتعقب الجماعات المسلحة من خلال إفشال مخططاتهم الإرهابية التي وإن لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً، إلا أن حدتها قد خفت بفضل حنكة الوزير وصلابة رجال الأمن والجيش وتصديهم لتحركات الإرهابيين الذين ظلوا على مدى سنتين كالسيف المسلط على رقاب التونسيين. والآن وقد انتهى الجدل بخصوص المسارات الحكومية والتأسيسية والانتخابية، يستعد مهدي جمعة وفريقه الحكومي لتزكية المجلس التأسيسي للانطلاق في العمل وتنفيذ برنامجهم الحكومي الذي يرتكز في أوكد أولوياته على محاولة إنعاش الاقتصاد المتدهور عبر استرجاع ثقة الأطراف العربية والأجنبية المانحة، فيما يأمل الجميع فان يقرّر اتحاد الشغل هدنة اجتماعية من شأنها أن تمكن الحكومة المكلفة من العمل بكل أريحية.