من حقّ كل إنسان ٍ أن يمارس حياته بالشكل الذي يعجبه والأسلوب الذي يريحه دون أن يكون لأيّ طرف ٍ آخر حقّ التدخّل في ما يفعله لأنّ هذه إرادة الله الذي خلق الإنسان وليست إرادة أحد آخر تتيح لنا معارضتها أو تعديلها ولكنّ الإنسان الذي يستحق ممارسة الحرية ينبغي أن يكون أهلاً للاستحقاق،
أي أنْ يكون على وعي ومعرفة بـ(حدود الحرية)! بمعنى أقرب أن يكون لديه حسّ ٍعال ٍ بالمسئولية، التي تعتبر أهم شروط الحرية. فبدون أن يكون الإنسان قادراً على تحمّل المسئولية لن يكون أهلاً للحرية. لأن الحرية كونها أهم الشروط التي بموجبها يمكن للإنسان العيش وبدونها تصبح الحياة بلا معنى! بل وتصير الحياة شكلاً من أشكال العدمية ومظهراً للذين لا يعنيهم من الحياة أكثر من ملء بطونهم وإرضاء غرائزهم والذين لا يملكون أية أسئلة ولا ينطوون على أية تأملات. وهذه حياة يشبهها الموت وتحذو حذوه ولو كانا مختلفين! بل ونقيضين!
في الحياة لا يملك أحد أن يجعل الأمور تسير وفقَ هواه. ومسألة (صناعة) نوع معيّن من الحياة يبرمجها ويصوغها ويسجّل بالرسم البياني اختلافاتها وتشابهاتها هي أمر لا يؤمن به سوى المنكوبين في صحة أدمغتهم والذين يفضّلون الاختلاف بواسطة (اللغة) حيث يهمهم أن يحرّكوا ركود الواقع أو تكرره أو جموده عبر توجيه صدمات للآخرين في يقينهم وقناعاتهم وإيمانهم وهو (ميل) مرَضيّ ويقوم به الأفراد (الاستعراضيون) الذين يبتهجون بردود الفعل السلبية ضدهم ممن يشاهدونهم وفي ذات الوقت يؤدون أعمالهم بحرص مبالغ به، ويحملون معهم دوماً (المسطرة) وحتى - الفرجار - مع ما تيسّر من أقلام مختلفة ورزم من الأوراق التي لا يستفاد منها إذْ لا يُدَوّن عليها شيء على الإطلاق وهي ليست أكثر من مظهر أو (برستيج) يوحي للآخرين بمدى ما يمنحونه من جديّة لعملهم وما يتكبدون (!) جرّاء ذلك من عناء وما يبذلونه في سبيل نجاح عملهم من جهد ٍيستحقّون عليه (الإشادة)! و(الثناء)! و(المبالغة في الشكر)! متناسين أن من يؤدي عمله يلزمه أن يكون جاداً ومتسلحاً بأدواته وأن لا ينتظر المديح والإطراء على إنجاز عمل هو من واجبه، و متناسين - أيضاً - أن الذي ينبغي مراقبة عمله وسلوكه أثناء أدائه له هم الذين يميلون إلى الفساد والمقصّرون والذين يبيعون ضمائرهم للشيطان! فهؤلاء هم مثل الأشياء التي تلوّث الوجود وتجعل من الواقع مفتقداً للطاقة الروحانية التي ينبغي أن تكون أهمّ ما يُطلَب منهم من وثائق وأوراق لا تعني أكثر من روزنامة تعدّ كم يوماً وكم سنة قضوها على مقاعد الدرس بعقول مغلقة وعيون مغمضة وهدفهم الذي يراودهم حتى في مناماتهم هو العمل الذي سيحصلون عليه وكيف يمارسون فيه خبرات المجتمع السيئة من القفز على القوانين واستغلال الثغرات وذلك لكي يصبحوا في يوم ٍ قريب ممن يقال لهم (تفضّل يا طويل العمر) وتردد على مسامعهم كلمات من نوع (سمّ!) و(تامرنْ شي طال عمرك) وهي كلمات من معجم النفاق الاجتماعي الذي ألّفه صنف من البشر يحبون التعاطي مع هكذا مواضيع لسهولة انتشارها وذيوع أخبارها في المجتمعات اللا عاملة وشبه اللا عاملة والتي تزدحم بهم أمكنة العمل العام دون أن تكون (كثرتهم) ذات مردود واضح وبيّن على وضع مجتمعاتهم ومواطنيهم في حالة السباق العالمي والإنساني إلى مراكز متقدّمة من الإنجاز وتسخير عملهم لصالح أشقائهم البشر الذين يستحقون أن تكون حاجاتهم مقضية بجهود العاملين ومن خرات وطنهم ومن وزن وطنهم على الخريطة السياسية والثقافية للعالم الكبير الذي لا تستطيع مجرد التفكير باتساعه و تباعده وضخامته!
ليست (الحريّة) حراماً كما يظن بعضكم أنني أقصد! بل إنني وبناءً على تكويني وغرائزي المخلوقة معي أعتبر الحرية أشرف وأنقى مطالب الإنسان. لأنه من الصعب والشديد الصعوبة أن يكون الإنسان مقيّداً وبلا حريّة في اتخاذه لقراراته وتخطيطه لمستقبله ومستقبل أبنائه. لكن الذي أراه (شكلاً للحرية زائفاً) و(منحطّا) هو اعتقاد بعضهم أن حريّته فوق الجميع وأنها مقدّسة لا يناقشها أيّ شخص! وهذا هو المفهوم المغلوط للحرية وهذا هو أيضاً الجهل بـ(حدود الحريّة) وهو مصطلح فلسفي يناقشه ويكتب حوله مفكرون من كل العالم ويقرأون خطاب الحرية بناءً على المستوى الذي يكون فيه الفرد من وعي وتعليم وثقافة وقبل ذلك وبعده من شراكة في الإنسانية تجعل الإنسان كائناً اجتماعياً لا يريد لوطنه ولا لمواطنيه أن يكونوا ضحية للجهل والمرض والحاجة! والحرية بمفهومها وممارستها ينبغي أن تكون منسجمة ومتوافقة بالنسبة لنا نحن المسلمين مع تعاليم الإسلام وغير متعارضة مع قيمنا وأخلاقنا.