لعلي لا أكتب اليوم في موضوع جديد أو غريب رغم ما يحمله عنوانه من معانٍ كثيرة وتصورات مختلفة لواقع يعيشه العالم بأسره، فموضوع التطور التقني وبخاصة في الاتصالات والإنترنت أصبح حديث الساعة، ولعل الكثير من الكتَّاب في صفحات جريدتنا الجزيرة طرقوا هذا الباب كثيراً، إلا أن رغبة بداخلي في أن نشارك في هذا التطور وأن لا نكون مستهلكين فقط لهذه التقنية بجميع ما فيها من غثٍ وسمين، وأن تكون لنا بصمة واضحة في أمن معلوماتنا.. دعاني لإعادة الكتابة في هذا الموضوع ولكن من جانب مختلف يتعلق بأمن المعلومات، وأقصد بها أمن المعلومات الشخصية.. ولعل المتابع والمتتبع للأخبار المتصدرة لوسائل الإعلام العالمية والعربية في الفترة الأخيرة والتي تبدو أنها منفصلة عن بعضها مكانياً وموضوعياً، إلا أنها مرتبطة مع بعضها البعض وتدور في مجملها حول اختراق المواقع الإلكترونية للمؤسسات الهامة في الغرب والشرق، والتجسس على كل كبيرة وصغيرة.. قد يعي حجم وأهمية هذا الموضوع. فقد قالت صحيفة «الغارديان البريطانية» إن هيئة الاتصالات البريطانية تنصتت على اتصالات هواتف وإنترنت دولية تمر عبر كابلات من الألياف الضوئية، وتتبادل قدراً هائلاً من المعلومات الشخصية مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، وفي السابق نشرت الصحيفة تفاصيل حول برامج مراقبة سرية للغاية كشف عنها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، والذي أطلعها على وثائق تتعلق بمشروع يُطلق عليه اسم «تيمبورا». لقد كانت حرب السيطرة على العقول خلال القرن الماضي وتقريباً قبل 30 عاماً، تعني أساليب السيطرة السياسية التي تستخدمها الدول الأقوى - دول الشمس - على الحكام والقيادات والنخب في الدول الأضعف سياسياً واقتصادياً وإعلامياً - دول الظل - وقد لقيت اهتماماً بالغاً ووضعت الأساليب والطرق للحماية منها.. إلا أن استخدام التقنية للسيطرة على عوام الناس لم تكن في الحسبان، ولم تعط حقها من الاهتمام في ظل التطور المتسارع في عالم التقنية ودخول التكنولوجيا والاتصالات في أدق تفاصيل حياتنا، واستخدام ما يُسمى الشرائح الذكية والتي بمقدورها تخزين الآلاف بل الملايين من البيانات المتعلقة بحياتنا اليومية، بالإضافة إلى إمكانية تحديد المواقع من خلال ربطها بالأقمار الصناعية والتي يغص بها فضاؤنا، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الآن الشغل الشاغل والتي يمكن من خلالها دراسة توجهات الشخاص والمجتمعات، تجعلنا نتوقف قليلاً ونحاول أن نُوجد لمعلوماتنا وأساليب حياتنا التي باتت في ظل هذه التقنية لا تحمل أي معنى للسرية والخصوصية، فقد أصبح بالإمكان السيطرة على سجلاتنا المدنية والطبية والائتمانية وأساليب حياتنا المختلفة، وبشكل أدق أصبحنا مجرد أدوات يمكن التحكم بها والسيطرة عليها، بل بالإمكان التخلص منها إلكترونياً.. لست متشائماً ولا ناقماً على التقنية ولكني أدعو أن لا نكون مستهلكين لها فقط، كما أن الوعي بخطورة المستقبل التقني والمعلوماتي على أسرارنا وحياتنا لا يجب أن يُغفل عنه.