أسرف الخطاب الدعوي أيما إسراف في العقود الثلاثة الأخيرة بالحديث عن الترهيب حتى غدا هو الأصل في ذلك الخطاب مع أن من يتأمل جيداً في الهدي النبوي ويقرؤه بهدوء وروية واتزان سيجد بوضوح تام أن كل الصحابة - رضي الله عنهم - جميعاً المهاجرين منهم والأنصار دخلوا في الإسلام من خلال جاذبية الطرح المنطقي العقلاني الرشيد المليء بالحب والتقدير والعطف والاحترام الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، ناهيك عن السلوك الرائع المثير الذي كان يتحلَّى به - عليه الصلاة والسلام.
القرآن الكريم يخبرنا بكل وضوح وشفافية أن هذا الأسلوب أسلوب التهديد والوعيد من شأنه أن يدفع الناس للنفور من الدعوة والإعراض عنها، ولهذا لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم هذا النوع من الخطاب مع أي أحد من الناس ولو كان كذلك لانفض الناس من حوله ولما قبلوا منه دعوته {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
أسوأ ما في الأمر أن بعض خطبائنا يسرفون في تخويف الناس من عذاب الله وعقابه لدرجة أنهم - من حيث لا يقصدون- يقدّمون ربنا وخالقنا - عزَّ وجلَّ - وكأنه ذات شريرة تتربص بنا شراً لتعاقبنا وتعذبنا.
إن خطابنا الدعوي لفي أمس الحاجة إلى المراجعة والتصحيح والتقويم فهو ليس وحياً منزلاً، بل صناعة بشرية يجري عليه ما يجري على غيره من الصواب والخطأ بات أكثره اليوم عقيماً سلبياً محبطاً ضرره أكثر من نفعه.