** على كثرة ما نعترف في أحاديثنا واجتماعاتنا على أهمية التخطيط في استقراء المستقبل وتوقيع بعض المؤشرات، إلا أن واقعنا يؤكد أننا أبعد ما نكون عن التخطيط، وهذا يطرح سؤالاً عريضاً عن عمل وزارة التخطيط والاقتصاد طوال هذه العقود، وهل بالفعل لا يزال بحاجة لمثل هذه الوزارة؟
** اليوم ندفع ثمن غياب وفشل بعض القطاعات، نعالج البطالة بقرارات قاسية لها تأثيرها على قطاعات الأعمال، اليوم أيضاً تفاجأنا بأن إعداد الطلاب أكبر بكثير من أن تستوعبهم المباني المدرسية، فاضطرت الدولة لاستئجار المساكن لتكون مدارس تفتقد لأبسط متطلبات التربية والتعليم، كذلك القطاع الصحي يعاني كثيراً من نقص منشآته مقارنة بالمراجعين واضطرت وزارة الصحة لاستئجار أجنحة وأدوار في بعض المستشفيات الخاصة لتنويم مرضاها، وعلى الطريق نفسها قضية الإسكان.
** كل هذه القضايا التي تستهلك وقتاً ومالاً مضاعفاً، كان يمكن تلافي كثير منها لو كان لدينا تخطيط على أسس صحيحة، وحتى اليوم لا نزال نفتقد فوائد التخطيط الصحيح، فهل لدينا استقراء واقعي وشفاف عن مستقبلنا الاقتصادي في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم على مستوى الطاقة؟ وحتى على مستوى الخطط الخمسية يعرف مدى تحقيقها على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال منذ الخطة الخمسية الأولى وإلى الآن جميعها تؤكد أهمية تنوع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط، إلا أنه حتى الآن لا شيء تقريباً غير النفط، وهذا فشل كل الجهات وليس وزارة التخطيط وحدها، ويعود سببه لغياب متابعة وقياس مستوى إنجاز تلك الخطط، التي في مجملها نظرية بدون برامج عمل قابلة للقياس وفق جدول زمني محدد يساعد على تحديد نسب تحقيقها، ولهذا فإن التخطيط الفاعل ليس بالضرورة يكون وزارة وجهازاً إدارياً كبيراً مترهلاً، وكثير من دول العالم ليس لديها وزارات تخطيط وإنما مراكز أبحاث عالية المستوى، ولهذا فقد نكون بحاجة ماسة الى جهاز يواكب المرحلة وبقيادات شابة ومتخصصة يضم مراكز أبحاث حقيقية وذات عمل مؤسسي وإستراتيجي، وقد يكون البديل هو إنشاء هيئة ذات استقلالية يلمس الوطن والناس نتاجها في حياتهم، من خلال التخطيط السليم والعميق لكل مناحي الحياة.