Tuesday 21/01/2014 Issue 15090 الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435 العدد

الجانب التشريعي تحت المجهر .. ونداءات للاستفادة من التجربة التركية

تحقيق: الأوقاف الإسلامية تتجه نحو تبني أساليب الإدارة الحديثة

الجزيرة - محمد السهلي:

شهدت الأوقاف عهدها الذهبي في عهد الإمبراطورية العثمانية التي حكمت أجزاء شاسعة من الشرق الأوسط لعدة قرون.

ويقول مؤرخون إن الأوقاف كانت في مرحلة ما تملك ما يربو على 50 في المئة من عقارات المدن الكبرى وثلث أراضيها الزراعية.

وشكلت بعض الأوقاف صورة مبكرة من شبكات الأمان الاجتماعي. لكن تراجعت الأوقاف في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مع تزايد تدخل الدولة العثمانية وسلطات أخرى في عملها. ولا تزال الأوقاف تمثل أهمية كبيرة لدى المجتمعات الإسلامية.

تعاني ماليزيا، كغيرها من الدول العربية، من مسألة عدم وجود قانون او تنظيمات خاصة بإدارة الأوقاف. فمثلا مؤسسة «جوهار» التي تدير الأوقاف لا تملك صلاحيات إدارية عليها، خصوصا أن بعض هذه الأوقاف تكون في ولايات ماليزية أخرى. وعليه فهم لا يملكون صلاحية قضائية لإدارتها. ولتعقيد الأمر أكثر، فهناك طبقة البيروقراطية بين الجهات الحكومية و الولايات في كيفية إدارة الأوقاف.

وقال لرويترز مراد سيزاكا، أستاذ التاريخ الاقتصادي المقارن في مركز ماليزيا الدولي للتعليم في التمويل الإسلامي ،تقوم القواعد الحديثة لإدارة الأوقاف على القانون الإنجليزي، وهذه غير مناسبة. ولمعالجة تلك القضية، اقترح سيزاكا وزملاؤه تحديث قانون الأوقاف باستخدام التجربة التركية كمرجع . ولكن الأمر قد يتطلب الحصول على وقت طويل لصياغتها من قبل الحكومتين.

النمو المستدام

يستهدف مشروع لإدارة الأموال تأسس في دبي الأوقاف الإسلامية وهي قطاع من اقتصاد الشرق الأوسط يسيطر على أصول بعشرات المليارات من الدولارات. وتتلقى هيئات الأوقاف تبرعات المسلمين من أنحاء العالم لإقامة وإدارة مشاريع اجتماعية كالمساجد والمدارس ومشاريع للرعاية الاجتماعية.

العقول المصرفية

تسعى الحكومة الماليزية لمراجعة عمليات الأوقاف الإسلامية وذلك في سعيها لأن تديرها شركات خاصة بدلا من الهيئات الدينية .حيث أعلنت الحكومة المنتخبة في سبتمبر الماضي عن مبادرة تهدف إلى تسهيل إدارة الشركات للأوقاف الإسلامية ، وذلك بغية تعزيز صناعة التمويل الإسلامي في البلاد. وينتظر أن يساهم نجاح هذه المبادرة في زيادة عوائد الأوقاف و تعزيز الكفاءة الاقتصادية بعد أن تتولى العقول المصرفية إدارتها.

وقد يسهم تمكين القطاع الخاص من إدارة الأوقاف في تعزيز أوضاع البنوك الإسلامية في ماليزيا وزيادة حصتها من إجمالي أصول الجهاز المصرفي إلى 40 في المئة عام 2020 من 24.1 في المئة الآن.

وعلق مصدر مصرفي على ذلك بقوله «ما يغيب عن السوق اليوم هو الإدارة التجارية للأوقاف. نحتاج إطارا قانونيا فعالا يسمح للأوقاف بدخول أسواق المال».

وأضاف «أتمنى أن يساعد هذا الإطار في جعل الأوقاف أحد عناصر أسواق المال الإسلامية ويسمح للاعبين بالمشاركة في إدارة الأوقاف بشكل احترافي».

وتدرس هيئة الأوقاف الماليزية إشراك البنوك والهيئات المختلفة في إدارة الأصول الوقفية. وسيعقد اجتماع بين الهيئة ووحدة التخطيط الاقتصادي الحكومية هذا الشهر لوضع خطط عاجلة بهذا الصدد.

وقال شيلا يوسف ، المحلل البارز في المعهد الدولي للدراسات الإسلامية المتقدمة مقره كوالالمبور هناك حاجة إلى إشراك الشركات لجعل الأوقاف أكثر إنتاجية. حيث يقول: «تم اتخاذ خطوات مختلفة من قبل الحكومة و شركات القطاع الخاص لتسريع و تحفيز تطوير الأوقاف في البلاد ، لكنه لم يصل بعد إلى مستوى من التطور بحيث يمكن الاعتماد عليه كأداة ناجعة وفعالة».

ويرى عمر محمد مصطفى ، أستاذ مشارك في مركز الاقتصاد الإسلامي في الجامعة الإسلامية العالمية، أن حوالي خُمس مشاريع الأوقاف قد وفرت إيرادات كبيرة ، وهذا يعني لم يكن هناك ما يكفي من الإيرادات لتمويل العديد من المشاريع. وتابع:»إن مسألة تتعلق بكيفية تحقيق الاستدامة هنا. بمعنى كيف يمكن لـ20% من الإرادات أن تساهم في استدامة نمو مشاريع محفظة الأوقاف المتبقية وهي 80%؟ «هذا يمكن أن يتطور إلا إذا كان لدينا هيكلة مختلفة».

تحديات النمو

وترى «ايرنست آند يونق» أن مسألة النفاذ إلى صناعة الأوقاف من قبل المؤسسات المالية تتطلب إيجاد حلول لبعض القضايا الشائكة في هذه الصناعة. أحد القضايا تدور حول الحوكمة الصادقة لهذه الأوقاف و تصميم البنية التحتية العملية لهذه الأوقاف. حيث يتداول أن هناك مخاوف كثيرة في عدة دول حول سوء إدارة أموال الأوقاف فضلا عن عدم مناسبة أنظمة الحوكمة وعدم موائمة الهيكلة التنظيمية لصناعة الأوقاف.

فعلى سبيل المثال, في ماليزيا يقوم المجلس الشرعي للفقهاء بمسؤولية إدارة أصول الأوقاف وذلك من دون وجود حوكمة عامة. يقول الدكتور بحرودين ساين من جامعة «تيكنولجي» الماليزية : «ستدر أصول الأوقاف دخلا جيدا في حالة تم إدارتها بطريقة احترافية للاقتصاد الماليزي. ولكن للأسف تم إناطة إدارة هذه الأوقاف إلى المجلس الشرعي وهو غير القادر على إدارة هذه الأوقاف بطريقة فعالة (وذلك بسبب ضعف خبراتهم من حيث الاستثمار)».

ويقدر أحمد النجار عضو لجنة السياسات الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة المصري المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين أصول الأوقاف في مصر بنصف تريليون جنيه (75 مليار دولار) ويقول إن ريعها لا يكاد يذكر.وقال رفيع الدين شيكوه الرئيس التنفيذي لشركة دينار ستاندرد للأبحاث والاستشارات المتخصصة في الأسواق الإسلامية الناشئة مستوى إدارة أموال الوقف... أدنى من المقبول. «لكن ثمة علامات على أن هذا المشهد في طريقه للتغير بعدما استشعرت شركات استثمار احترافية فرص ربح ومع نمو التمويل الإسلامي خلال الأزمة المالية العالمية». وأطلقت مجموعة نور الاستثمارية في دبي ومؤسسة الأوقاف وشؤون القصر التابعة لحكومة دبي شركة «نور أوقاف» الاستشارية المتخصصة في إدارة أصول الأوقاف وقال حسين القمزي الرئيس التنفيذي لمجموعة نور الاستثمارية «ما نسعى إليه هو إقامة منصة مهنية تخضع للرقابة التنظيمية وتتمتع بالشفافية على غرار الشركات». وتشمل خطط «نور الوقف» إقامة وحدة استشارية في قطاع العقار تساعد هيئات الأوقاف على تحقيق إيرادات أفضل من أملاكها العقارية. وتأمل الشركة عبر حشد أموال الأوقاف المختلفة في توجيه استثماراتها إلى مشروعات أكبر وأكثر ربحية. وفي نوفمبر تشرين الثاني وقعت شركة نوريبا للاستثمارات في كاليفورنيا أول عقد مع جهة وقفية في الولايات المتحدة وتريد الشركة إقامة وجود لها في الخليج قريبا حسبما قال رئيسها التنفيذي أحمد بسام «نحن نبني فريقا في هذه المنطقة هذه سوق مفتوحة أمامنا الآن». وقال محيي الدين قرنفل مدير الاستثمار في قسم أسواق الدخل الثابت بالشرق الأوسط بشركة فرانكلين تمبليتون للاستثمارات إن هيئات الأوقاف كمستثمر كبير وطويل الأمد يمكنها لعب دور صناديق معاشات التقاعد في الغرب .وتراجع بعض الحكومات قوانينها لتيسر ذلك. في مصر على سبيل المثال قال النجار لرويترز، قبل أن يتم عزله مؤخرا، إن مجلس الشورى أقر قانونا للصكوك الإسلامية يسمح بإنشاء الأوقاف عبر إصدار صكوك يكتتب فيها أكثر من متبرع.وقال نظيم إن دولا خليجية أخرى مثل عمان التي تواصل فتح أسواقها أما التمويل الإسلامي تدرس أساليب لتعزيز فاعلية أوقافها.وأعرب عدد من هيئات الأوقاف صراحة عن حاجتها إلى تطوير عمل القطاع.يقول طيب عبد الرحمن الريس الأمين العام لمؤسسة الأوقاف وشؤون القصر التي تقول إن لديها أصول تتجاوز 1.5 مليار درهم (4.8 مليون دولار) أدرت ريعا إيجاريا قدرمليون درهم عام 2012 «نريد عمل شيء لإعادة الأوقاف إلى زمن انتعاشها حين كانت تفيد المجتمع.