الجزيرة - محمد السهلي:
كشفت مجلة «ذا بانكر» البريطانية،إبان ملحقها السنوي عن صناعة المال الإسلامية، أن عصر المنتجات الشرعية المبتكرة قد ولَى, بحسب ما تزعم، وأن المنتجات المصرفية الإسلامية التي نراها اليوم ما هي إلا عمليات تجميلية (للمنتجات التقليدية).
وحول ابتكار المنتجات الإسلامية، يقول هوماون دار، المدير التنفيذي لشركة الاستشارات الإسلامية «ايبيز كونسلتنق» البريطانية، :«لسنتين متواصلتين لم أرَ أمثلة جيدة على ابتكار المنتجات المصرفية و يرجع سبب ذلك إلى كون البنوك الإسلامية لا تخصص ميزانية معينة لابتكار المنتجات. ونتيجة لذلك فهم يميلون لإجراء تعديلات تجميلية على المنتجات التقليدية».
ويرى هوماون أن بنك دوتشيه الألماني قد جلب معه العديد من المنتجات المبتكرة لأن البنك الدولي قد قام بإنفاق المال و استثمار الوقت لتحقيق تلك الغاية. من ناحيته يتفق هاريس ارفان مع ما ذكره هوماون حول ابتكار المنتجات. وسبق لهاريس أن قاد فريق المالية الإسلامية لبنك باركليز كابيتال البريطاني. يقول هاريس: «على البنوك الإسلامية أن تتحلى بشغف القيادة و ليس المتبوعية (يقصد للبنوك التقليدية)». ويتابع: «حتى اليوم فهم لا يزالون يعتمدون على المنتجات الجديدة التي يقدمها دوتشيه وذلك عبر إتباع الأفكار و الطريقة (التي تدور عليها هيكلة هذه المنتجات)». وبسبب تقليص بنوك مثل يو بي اس و كريدي سويس لعملياتهم الإسلامية فإننا لا نشاهد موجه من المنتجات المبتكرة بعد الآن.
وبالرغم من غزارة الأرقام التي تقول إن الصيرفة الإسلامية تنمو بنسبة 15-20% إلا أن المجلة البريطانية عادة و «قزمت» هذه الأرقام بالقول بأن أصول المالية الإسلامية تشكل أقل من 1% من أصول المصرفية التقليدية. وتساءلت المجلة في إذا ما كانت منتجات المصرفية متطابقة «بالاسم» مع الشريعة ولكنها غير متطابقة مع الشريعة من ناحية الجوهر. وكشف البحث الذي أجراه فريق الباحثين بمجلة «ذا بانكر» إلى أنه عندما يتم النظر إلى مؤشر العائد على الأصول (ROA ) فإن السوق السعودية و الماليزية هما الوحيدتان على مستوى العالم الذي تتفوق فيه بنوكهما الإسلامية على التقليدية.
وبالانتقال إلى قطاع آخر، فقد أصدرت حكومة دبي سندات إسلامية، في ابريل نيسان الماضي، باعت نحو ثلثيها لمستثمرين من الشرق الأوسط وحين أصدرت صكوكا أخرى الشهر الماضي ذهب نصفها فقط إلى مشترين من المنطقة.
هذا الاختلاف يشي بنقلة تاريخية في سوق الصكوك في الشرق الأوسط.
وحتى وقت قريب كانت الصكوك سوقا فرعية في المنطقة. وكانت المؤسسات الإسلامية المعنية بزيادة الإيرادات عبر استثمارات تتفق مع الشريعة تشتري الصكوك بكميات كبيرة وتحتفظ بها حتى موعد الاستحقاق.
والآن تتحول الصكوك إلى أدوات استثمارية عامة يكتتب فيها قطاع واسع من المستثمرين منهم من يأتون من خارج المنطقة من أوروبا والولايات المتحدة. ويركز هؤلاء بشكل أساسي على زيادة الإيرادات عبر تداول الصكوك بشكل فعال في السوق الثانوية إن لزم الأمر.
وهذا تحول إيجابي للصكوك على مستويات عدة إذ يعني حلول حقبة التمويل الإسلامي الذي ولد بصورته الحديثة في سبعينيات القرن الماضي. ومع تزايد الطلب على الصكوك تستطيع شركات الشرق الأوسط تمويل مشاريعها بأسعار أقل.
لكن هناك جوانب سلبية. فنظرا لاكتتاب كثير من المستثمرين الدوليين في الصكوك أصبحت أسعار تداولها متقلبة وهذا يقلل فاعليتها كملاذ آمن بالأسواق المالية.
كما أن تداول الصكوك في سوق ثانوية نشطة لا يتفق مع روح التمويل الإسلامي مع تحريم الإسلام المضاربة النقدية البحتة ودعوته لتركيز الاستثمار على الاقتصاد الحقيقي وليس الأدوات المالية.
ويقول محمد داود العضو المنتدب لأسواق الديون في بنك اتش.اس.بي.سي دبي «الآن بدأنا نرى المنتجات تتحول إلى التيار الرئيسي فعليا. جزء من النمو في السوق يحدث بشكل ذاتي مع فتح أسواق جديدة كعمان وزيادة الإصدارات».
ويضيف «لذا سترى بطبيعة الحال دخول مزيد من الأموال الساخنة السوق. ويرى كثير من المستثمرين العالميين أنهم إن أرادوا البيع سيجدون عرضا قويا وواسع النطاق في المنطقة».
وحسب بيانات تومسون رويترز زادت إصدارات الصكوك الجديدة بما فيها إصدارات بالعملات المحلية إلى نحو 121 مليار دولار عالميا عام 2012 من نحو 85 مليارا عام 2011. وتوقع أن يتراوح النمو بين 20 و30 في المئة عام 2013.
وجاءت معظم إصدارات العام الماضي من ماليزيا وهناك زيادة كبيرة في الشرق الأوسط إذ شكلت صفقات الصكوك نحو نصف إجمالي إصدارات أدوات الدين البالغة 40 مليار دولار تقريبا.
وأحد أسباب نمو الصكوك أداؤها المستقر نسبيا خلال الأزمة المالية العالمية في السنوات الماضية. وتراجعت أسعار السندات التقليدية عالميا مع تراجع التصنيفات الائتمانية وهرولة المستثمرين الغربيين المثقلين بالديون لبيع حيازاتهم لسد عجز الميزانيات.
ولم تشهد الصكوك في الشرق الأوسط حركة بيع مماثلة لأن معظم الصكوك صادرة من شركات من دول الخليج الغنية بالنفط وتكتتب فيها صناديق استثمار إسلامية غنية بالسيولة. وبفضل استقرار أسعارها اكتسبت الصكوك سمعة كأداة آمنة.
وتدفقت رؤوس الأموال الأجنبية على هذه الإصدارات. واشترى مستثمرون من خارج الشرق الأوسط نصف صكوك قطر العشرية وأقل قليلا من نصف الشريحة الخمسية. وجذبت صكوك أبوظبي الإسلامي طلبا من مستثمرين دوليين بمبلغ 15 مليار دولار.
والآن قد يصبح سوق الصكوك ضحية نجاحه لأن به الكثير من الأموال الأجنبية. وبالتالي فهو منكشف بشكل أكبر على اتجاهات الأسواق الدولية.
واتضح ذلك في الأسابيع الماضية حين تأثرت أسواق السندات حول العالم بزيادة أرباح أذون الخزانة الأمريكية وتحول الأموال من السندات إلى الأسهم.
ولم تنج الصكوك من هذا. وانخفض سعر صكوك دبي العشرية الصادرة بقيمة 750 مليون دولار الشهر الماضي بما بين اثنين وثلاثة سنتات للدولار وهذا أقل من كثير من السندات.
ويقول مارك واتس رئيس إدارة الدخل الثابت بمجموعة إدارة الأصول في أبوظبي الوطني «المستثمرون الدوليون غالبا أكثر نشاطا وأقل تمسكا بالحيازات».
ويضيف «أصبحت أيام شراء اللاعبين العاديين نسبيا السندات والاحتفاظ بها دون تفكير معدودة. هذا يعني أنه حين تتعرض الأسواق لضغوط تكون السندات المملوكة لمستثمرين دوليين أكثر تقلبا».
واستطاع كثير من شركات الخليج إصدار صكوك العام الماضي بأسعار أقل من السندات التقليدية مع اقتناع المستثمرين بأن الصكوك أقل انكشافا على تراجع الأسعار بالسوق الثانوية. وربما تبددت هذه القناعة في الأسابيع الأخيرة ما يعني أن إصدارات الصكوك المستقبلية ستحمل أسعارا قريبة جدا من أدوات الدين التقليدية.
وقال رضوان كانجي الشريك بمكتب كنج اند سبولدنج للمحاماة بقسم أسواق الديون الرأسمالية في دبي: إن مستثمري الخليج عليهم أن يتعودوا على صكوك أكثر تقلبا.
وأضاف كانجي أن المستثمر الإسلامي إن كان مهتما بزيادة التداول في الصكوك عليه استشارة الهيئات الشرعية حول مشروعية الاستثمار في أدوات مالية معينة.
وقال: إن الصكوك بالنسبة للمستثمر التقليدي «مجرد أداة دين آمنة الآن».