الجزيرة - محمد السلامة ومحمد آل داهم:
أكد وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر أمس أن اقتصاد المملكة مفعم بالنشاط والحيوية؛ إذ لم يسجِّل على مدى 25 سنة نموًّا سلبيًّا إلا لسنة واحدة فقط. كذلك تتمتع المملكة بوضع مالي أكثر من رائع؛ إذ إن نسبة الدين بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي تبلغ فقط 2.7 في المائة، وهي نسبة متدنية، وتبعث حقاً على الإعجاب. كما جدد تفاؤله بشأن نمو القطاع الخاص «غير البترولي» خلال العام الجاري 2014 لمستوى أفضل مما تحقق في العام الماضي.
وأشار الجاسر إلى أهمية القطاع الاقتصادي في توفير الفرص الوظيفية للمواطن في مشاريع قابلة للاستدامة، مؤكداً حرص القيادة الرشيدة - أيدها الله - على إيجاد فرص عمل للمواطنين، وإيجاد عملية إنتاجية في الاقتصاد؛ إذ إن تطوير البنى التحتية لتشجيع رجال وسيدات الأعمال على الاستثمار وإيجاد فرص عمل جزءٌ أساسي في أي مشروع. كذلك أبان أن التشريعات الجديدة تحمي المنافسة، وتدعمها في الجانب الاقتصادي، لافتاً إلى إعداد استراتيجية تعمل على تحويل المجتمع بأكمله إلى مجتمع معرفي تصاعدي. جاء ذلك في كلمة ألقاها أمس مع انطلاق أعمال وورش عمل منتدى التنافسية السابع، التي تختتم أعمالها اليوم في الرياض، بحضور عدد من أصحاب السمو والوزراء وأبرز قيادات الفكر الاقتصادي والاستثمار في المملكة والعالم.
وطرح الجاسر تساؤلاً في بداية كلمته أمام المشاركين في المنتدى قائلاً: هل نحن حقاً في حاجة لهذا المؤتمر؟ وبعبارة أخرى، هل يحتاج بلد كالمملكة لمثل هذا الجمع المتميز من صفوة العقول وكبار صانعي السياسيات لمناقشة السبل الكفيلة لتحسين القدرات التنافسية؟ موضحاً أن المملكة تحتل المركز الـ 19 بين اقتصادات العالم، وتُعد الأكبر على مستوى المنطقة؛ إذ تتمتع بوفرة في موارد الطاقة، ولديها مقومات هائلة من الطاقة الشمسية والطاقة المستمدة من الرياح، فضلاً عن أنها تشكِّل حلقة وصل استراتيجية بين الشرق والغرب وبوابة للأسواق الإقليمية؛ إذ يمكن الوصول إلى نحو 300 مليون مستهلك خلال ما لا يزيد على 3 ساعات بالطائرة من العاصمة الرياض. كما سجَّلت المملكة استقرارًا غير مسبوق على الصعيدَين الاقتصادي والسياسي في ظل الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة، وضخت استثمارات هائلة في البنية التحتية، ولا تزال؛ إذ تُقدر نسبة الاستثمارات تحت التنفيذ بنحو ترليونَي ريال في البنى التحتية الإنشائية في مجالات الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط المترو والموانئ والمدن الاقتصادية، كذلك أنشأت صناعة عالمية عالية المستوى في مجالات كالنفط والبتروكيماويات والتعدين، وبناء مراكز معرفة متميزة، تُسهم في التحوُّل إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، إلى جانب توجيه المملكة استثمارات سخية في مجال التعليم، وهي تستفيد من فرص نافذة الديموغرافية السانحة لبناء قوة عمل ماهرة ومتعلمة، تجمع في محصلتها المعرفية بين التعليم المحلي والعالمي. وأضاف الجاسر: أنشأت المملكة بيئة صديقة للأعمال من خلال إجراءات عملية، شملت مجالات الأنظمة واللوائح كافة حول التقاضي والإصلاحات المالية وغيرها. وفي ضوء ذلك رأى الإجابة عن السؤال الذي طرحه في مقدمة كلمته أنها: نعم، ونعم، ونعم على وجه التأكيد.
ولفت وزير الاقتصاد والتخطيط إلى أن تمتُّع المملكة بهذه الميزات التنافسية «لا يعني أن نتقاعس عن بذل الجهود الحثيثة للمحافظ على تلك الميزات وتنميتها وتطوير ميزات جديدة، فاقتصاد العولمة الذي نعيش فيه لا يرحم، ويقف بالمرصاد لمن يجنح للخمول والتكاسل، والدول التي تركن إلى سابق أمجادها وسالف نجاحاتها ينتهي بها الحال للإخفاق والتخلف عن ركب التقدم. وينبغي لأي دولة أن تتمتع بالقدرة على المنافسة؛ لكي يكتب لها العيش والازدهار في هذه البيئة الجديدة، وعليها أن تكتسب المزيد من القدرات التنافسية إذا ما أرادت أن ترتقي في سلم التقدم». مشيراً في هذا الصدد إلى أن المملكة أدركت هذه الحقيقة منذ زمن، وأن قضايا الإنتاجية والقدرات التنافسية وتنويع القاعدة الاقتصادية والإصلاحات في سوق العمل تمثل التحديات بعيدة المدى التي يتعين على الجميع مواجهتها والتصدي لها، إذا ما كنا نريد أن نحجز لأنفسنا موقعاً تنافسياً متقدماً على المستوى العالمي. وتابع: إن صنع السياسات الاقتصادية في المملكة عملية دؤوبة، وتتميز باستشراف منظور بعيد المدى. وهنا فإن صانعي السياسات في البلاد يعمدون بادئ ذي بدء بالعمل على رصد وتحديد مواضع المصالح بعيدة المدى للمملكة أولاً، ثم ينهمكون في علم دؤوب لبلوغ تلك الغاية، وقد تتغير الظروف وتتبدل الأوضاع على المدى القصير، وقد تشكل تلك الظروف عوامل ضاغطة لتغيير المسار، غير أننا نركز في المسير على الغاية الأبعد، ولا نتوقف كثيراً عند تيارات تدفع بنا ذات اليمين وذات الشمال مهما كانت تلك التيارات جاذبة.
وذكر الجاسر في هذا السياق مثالين للتحديات، الأول يتعلق بتحديات السياسة النقدية للمملكة، قائلاً: إن السياسة النقدية ذات طابع محافظ ونهج حصيف، وهي سمات مستمدة في واقع الأمر من تراثنا الثقافي والتاريخي، وأكدت الأحداث أن المملكة على حق في تبني ذلك النهج؛ إذ بقيت سياستنا النقدية صامدة أمام تحديات مالية كبيرة، يسيل لها اللعاب، تمثلت بالمستحدثات والمشتقات التي استشرت وتنامت أعدادها، وحملت أسماء لا حصر لها دون أن يفهمها أحد بصورة واضحة ومحددة، ولكننا لم نقع فريسة لأي إغراءات من هذا القبيل، ووصم كثيرون في حينه سياستنا بأنها تبعث على الملل والضجر، وأننا قد تخلفنا عن اللحاق بركب العصر، حتى جاءت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المتلاحقة في عامَي 2007 و2008 لتثبت توخينا الحكمة والحصافة في نهجنا، وأصبح منتقدونا يغبطوننا في موقفنا.
أما المثال الثاني - والحديث لا يزال للجاسر - فيتعلق بانضمام المملكة لاتفاقية التجارة العالمية؛ إذ كنا على قناعة منذ وقت مبكر بأن عضوية المنظمة تشكّل أهمية ضرورية لمساندة المسيرة التنموية بصورة مستدامة على المدى البعيد، ولم تكن تلك القناعة وليدة فكرة طارئة هبطت علينا من حيث لا ندري، بل جاءت في واقع الأمر محصلة لتقييم موضوعي صارم لما نريد أن يكون عليه اقتصادنا بعد عشرات السنين من الآن، ولم يكن ذلك أمراً هيناً في حينه؛ إذ كنا نتعرض لمتطلبات متزايدة من جانب شركائنا التجاريين، ولم تكن بعض الأوساط في المملكة مقتنعة بمنافع ومزايا الأنظمة للمنظمة، أو بقدرتنا على الوفاء بالالتزامات الناجمة من الانضمام لتلك العضوية، غير أننا استطعنا في نهاية الأمر التغلب على كل ذلك، بل نجحنا في ذلك، واستطعنا التعديل وإصلاح الكثير من التشريعات لتحسين وفائنا بالالتزام، وأهم من ذلك تعزيز قدرتنا التنافسية. لافتاً إلى أن ما سبق ذكره يوضح بجلاء الرؤية والمنظور البعيد المدى الذي تستشرفه عملية صنع السياسات الاقتصادية في المملكة، كما أنها أمثلة جيدة لما حققناه من نجاحات تبقى موضع فخر واعتزاز لنا، بما في ذلك النجاحات التي حققناها في صناعات البتروكيماويات والتعدين والسكك الحديدية وغيرها. وتابع «والسؤال الآتي هو: هل نجحنا في كل شيء؟ الإجابة بطبيعة الحال لا؛ فلا يزال أمامنا تحديات، وستظل هناك تحديات؛ إذ إن الاقتصاد العالمي ديناميكي بطبيعته؛ ولا يقبل بالجمود والسكون؛ ما يقتضي ذلك منا أن نظل في همة ونشاط دونما كلل، وأن نتحلى بمرونة الحركة مع الاقتصاد العالمي، لا أن نكتفي بنجاحات بعينها حققناها فيما مضى».
نظام المملكة الضريبي جاذب للأعمال
من جهته، أكد محافظ الهيئة العامة للاستثمار المهندس عبداللطيف العثمان أن الهيئة ستدعم المبادرات في مجال الهندسة وتطوير المواصفات والمقاييس لتعزيز بعض برامج البنية التحتية الضخمة بالمملكة، وتطوير فرص عمل استثمارية لكل قطاع كالنفط والغاز والتعدين والتصنيع والمياه والكهرباء والنقل والصحة والسياحة وتقنية الاتصالات والمعلومات؛ لتكون مراكز جذب بالنسبة للمملكة. لافتًا إلى أن هذه المبادرات ليست بالصعبة في ظل العمل المشترك والمناخ الاستثماري.
وأوضح العثمان خلال افتتاحه أمس جلسات وورش عمل منتدى التنافسية الدولي السابع «بناء شراكات تنافسية» أن المملكة أطلقت مؤخراً العديد من المبادرات الاقتصادية لتعزيز بيئة الأعمال، وانضمت لاتفاقية التجارة العالمية بعد أن طُبّق قانون الاستثمار الأجنبي في عام 2005. كما أفاد بأن المملكة بذلت في عام 2005 جهودًا كبيرة في تطوير وإصلاح أنظمتها التجارية والاقتصادية المتعلقة بالمستثمرين، كالإقراض طويل الأجل منخفض الفائدة والنظام الضريبي التنافسي، مستدلاً بما يقدمه صندوق التنمية الصناعي من دعم للمشاريع الاقتصادية والصناعية، يصل إلى 50 % من التكلفة.
وأكد العثمان أن نظام المملكة الضريبي جاذب للأعمال؛ إذ وضع تقرير نظام الأعمال الدولي الصادر عن البنك الدولي المملكة في المركز الثالث فيما يخص الدول الجاذبة للاستثمار، مفيداً بأن المملكة ليس لها ضريبة على الدخل ولا الممتلكات ولا على المبيعات ولا القيمة المضاعفة. وقال: إن المملكة لديها سوق كبير فيما يخص الاستهلاك؛ ما يجعلها أفضل الدول فيما يخص اتفاقية التجارة الحرة، كما تُعد اليوم من أكبر الاقتصاديات بالعالم؛ إذ يشكل الشباب ما نسبته 61 % من عدد العاملين في المملكة، منهم 35 % تحت سن الـ 15 عاماً، كما تقدم المملكة الكثير من الخدمات للمستثمرين عبر 24 مدينة صناعية في مختلف مناطقها.
وحول البحث والتطوير أبان أن المملكة تمول البحوث عبر المؤسسات التقنية والعلمية، فيما قامت بتعزيز واحتضان العديد من الشراكات المتقدمة منذ أول يوم اكتُشف فيه النفط في عام 1930، إلى جانب تعزيز العديد من الأعمال التي أسهمت في تجمعات الصناعات البتروكيماوية الرائدة بالعالم، وتغيير المشهد الاقتصادي للمملكة عبر جيل واحد.
وأفاد العثمان بأن المنتدى يسعى إلى دعم الاستثمارات بغية تعزيز الاقتصاد الوطني بطريقة تحقق تنوع الاقتصاد وتوسيع المنتجات غير النفطية ونقل التقنية والنهوض بالاقتصاديات، لافتًا إلى أن هذا المؤتمر يُعد خارطة الطريق لاقتصاد المملكة من خلال العمل بشكل وثيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة لمواصلة دعم مرافق عدة، إلى جانب بناء شراكات عالمية لتقديم النمو المستدام في قطاعات جديدة كالرعاية الصحية والنقل.