في الليلة التالية حضر الصديقان. سبق الكهل الشاب بنصف ساعة..
قال الكهل: أراك متأخراً الليلة، وكنت من قبل أجدك وقد سبقتني في الجلوس للمكان؟
قال الشاب: أما رأيت الزحام يا عم في الطرق الرئيسة والفرعية، والكل يهرب من حارة إلى حارة؟
قال الكهل: هذا شيء تعودنا عليه، فلا المرور منظم سيره ولا البلديات، وإسنادها لأعمال الحفريات كانت مرتبة, الحفريات خلقت هذا الزحام وخنقت البشر وما على السائر بهذه الطرق غير المسايرة للوضع الراهن!
قال الشاب: يعني تقدر تقول الطاسة ضايعة ما هناك رقابة ولا يحزنون على مقاولي الحفريات, أين أمانات المدن؟
قال الكهل ضاحكاً: يعني ما نظرت إلا الحفريات وتقاعس البلديات في ملاحقة المقصرين.. يا أخي ارفع النظر شوي شف العمائر داخل أحياء الفيلات الراقية التي تذمر الناس منها، وقد أفسدت عليهم الراحة بفيلاتهم ولم يعد لهم متنفس بحدائق منازلهم نتيجة إعطاء تصاريح العمائر ذات السبعة أدوار والمشوهة للمنظر العمراني في منظومة مخططات الفيلات؟
قال الشاب: أوافقك الرأي.. فهو خطأ بالغ الضرر من البلديات وتخطيط المدن, أين الرقيب؟
قال الكهل: ألا زلت تسأل عن تواجد الرقيب؟ يا أخي نحتاج إلى مئات المراقبين من مراقبة المباني ومراقبة المواد الغذائية المتصاعدة، فالأمن الغذائي كما يقول المثل {الطعام لكل فم} لم نحافظ على ضبط أسعاره الملتهبة التي أضحت عرضة للمتاجرين بقوت الشعب، التي لم تستطع وزارة التجارة والصناعة سن الأنظمة الرادعة للمتلاعبين بأسعارها, مثلما هي الحالة عليه في رفع أسعار الدواء التي أضرت بالمرضى والمعوزين له حينما ترتفع أسعاره، فأين وزارة الصحة عما يحدث؟! بل أسألها عن التأمين الطبي لكل مواطن ما هي أخباره!؟
قال الشاب: كل يوم نسمع عن وقوع أخطاء طبية قاتلة، ومع ذلك أما أن يهرب الجاني وهو الطبيب الأجنبي وأما أن يقبض عليه ويحاسب محاسبة لا تفي باسترداد حق من توفي أو شوه, هذا إذا علمت الصحافة به ونوهت عنه، وما خفي كان أعظم، فمتى ننتهي من هذه المشكلة التي يتسبب بها أطباء غير مهنيين وقد أضحى البعض من الناس محطة تجارب لمهن فاشلة وغير مهنية متخصصة؟!
قال الكهل: لا تذهب بعيداً يا بني، فهذا الأمر لا يقتصر على التخصصات الطبية, قس على ذلك شهادات الدكتوراه المزورة بالآلاف من أبناء البلد وغيرهم ومعظمهم ممن هم في مواقع إدارية كبيرة، كان من المفترض أن يكتشف أمرهم مبكراً قبل أن ينالوا ما وصلوا إليه من مواقع ذات شأن مهم بالنسبة للوطن والمجتمع, ومع ذلك نرى بعد افتضاح الأمر أن القضية ماتت وما زالوا يمارسون أعمالهم بالواقع الوهمي لشهادات الدكتوراه!؟
قال الشاب: إن هؤلاء الذين اكتشف أمرهم أخيراً من مرضى الألقاب المفتونين بحرف الدال, بينما تعليمهم هش وثقافتهم ضحلة، فكيف يرتجى منهم المردود العلمي والثقافي وهذه حالهم, وفاقد الشيء لا يعطيه, فيا أسفي على من تولوا قيادته أو ممن تتلمذ على أيديهم, فكل إناء ينضح بما فيه, وهذا ما جعلنا متأخرين في مؤسساتنا التعليمية والفنية بل قل المدنية إن لم نكن متخلفة!
قال الكهل وهو ينهض من مكانه.. الليل مضى نكمل.. غداً ألقاك!!
قال الشاب: قد يكون الغيب حلو... إنما الحاضر أحلى.