في ظل سباق الصدارة المحموم بين فريقَيْ النصر والهلال، لم يعد هناك موطئ رأي مخالف لأي من الجانبين. فبسبب حالة التنافس الشديد أصبح مسيرو الناديين وجماهيرهما ينظرون لأي رأي مخالف على أنه إعلان عداء، وأي طرح يوافق الهوى فهو اصطفاف مع الفريق.
فقد شاهدنا سلسلة التشكيك تُكال للحكم قبل كل لقاء من معسكر الفريق الذي سيلعب المباراة، في حين نرى حمم التهم تطول الحكم من أنصار الفريق المنافس بعد نهاية أي لقاء.. لا مجال للمنطق، ولا حتى قريباً منه.
صحيح أن التنافس بين الفريقين أضفى على المشهد الرياضي إثارة غير مسبوقة، لكنه ومع وجود شبكات التواصل الاجتماعي انحدر إلى هوة سحيقة من التعصُّب، وامتلأ الجو بغبار التجاوزات؛ فهذا يغرد بالشتم، وذاك يفرد مقالاً للتهكم، وثالث في خروجه التلفزيوني يهمز ويلمز.
نعم، لم يعد للرأي العقلاني متنفس في هذه الأجواء؛ أصبح صوت الحقيقة مخنوقاً، وأضحى الصراخ هو السائد.. تناثر إعلاميو الناديَيْن في البرامج، ولم نسمع طرحاً مفيداً حتى من أولئك الذين كنّا نتوسم فيهم الهدوء والاتزان، بل رأينا أعضاء رابطة باسم إعلاميين؛ الكل يغني على ليلاه، والكل يدّعي المظلومية والجور، ويدعو على الآخر بالويل والثبور.
ومع أجواء كهذه، أصبح المعلِّق يحترس من أي كلمة تخرج حتى لا تفسَّر عكس ما أراده، ورأينا الحكم مرتبكاً متردداً، يخشى من إطلاق صفارات لا تروق للجماهير؛ فتأثر بتلك الأجواء، ووقع في الخطأ بدل المرة مرات، وشاهدنا المسؤول يتحاشى الخوض في الإشكاليات؛ حتى لا يصنَّف بأنه مع فريق ضد الآخر.
مؤسف ما أراه؛ فبقدر جماليات التنافس، إلا أن الجوانب المحيطة به أخرجته عن حلاوته؛ لتجعل النصراوي والهلالي وكأنهما في ساحة معركة؛ يتبادلان التهم، ويُظهران لبعضهما الكُرْه، وليسا في دوري هو في النهاية تنافس في مباريات كرة!
هموم شبابية
غضب بعض الشبابيين من مقال الأسبوع الماضي، وتحديداً عنوان المقال، الذي أشار إلى تنافس الشباب مع النهضة. والحقيقة أن مباريات الجولة الأخيرة لم تحمل جديداً؛ فالشباب واصل تقهقره؛ لينسى طعم الفوز في آخر ست جولات، كحال النهضة تماماً كما ذكرت سابقاً، وهو الأمر الذي لم يتكرر في تاريخ الشباب، على الأقل في السنوات العشرين الماضية. عموماً، ما أوصل الشباب إلى هذه الحالة المتردية عدد من العوامل، بل هي أشبه بالهموم التي طالت مفرق الشباب، وغزته بالشيب. ومن تلك الهموم:
- اقتصار التمويل على إدارة النادي، إضافة للرئيس الفخري، منذ سنوات. ومع تواري رعاية شركة الاتصالات أصبح الحِمل كبيراً على إدارة الأستاذ خالد البلطان، وخصوصاً مع هذا الارتفاع الكبير في فاتورة الموسم الرياضي، ما بين تعاقدات ورواتب وأجهزة وما إلى ذلك. ومع أعباء مادية كهذه كان لا بد أن يواجه النادي بعض المعضلات، وخصوصاً أن أعضاء شرف النادي ما زالوا بعيدين عن المشهد الشبابي، حتى أن الجمهور الأبيض لا يذكر متى آخر مرة سمع عن تكفل عضو شرف شبابي بصفقة أو حتى مساهمة.
- الجهاز الفني؛ فهو أحد أسباب الانتكاسة الكبيرة في الفريق؛ فالمدرب الذي أشبعناه نقداً، وهو من أسقى الليث علقماً، لا يزال حتى كتابة هذه السطور يعبث في الفريق بامتياز. ولا أدري؛ فربما وقت نشر المقال يكون المدرب قد أُقيل، وإلا فالليث موعود بالمزيد من الأنين.
- وامتداداً للعبث الفني، شاهدنا الانحدار المخيف في مستوى حارس الفريق وليد عبد الله منذ استلم الجزائري خودير عزيز تدريب الحراس؛ فبعد أن كان إحدى ركائز قوة الفريق، بل صمام الأمان ضد أي هجوم، أصبحت أخطاؤه أكثر من أن تُحصى، وهفواته أكبر من أن تُنسى، بل حتى الحارس الاحتياطي حسين شيعان أصابته العدوى، وأصبح مهزوزاً مثل صاحبه. وفي المقابل شاهدنا التطوير الكبير للحارس النصراوي عبد الله العنزي بل حتى بديله عندما غاب، وكل ذلك يعزى - ولا شك - لمدرب الحارس الكولومبي هيجيتا. فهل يعالج الشبابيون هذه المشكلة قبل أن تطيح بما تبقى من ثقة لدى وليد؟
- أما الهمّ الأكبر للشبابيين والصداع المزمن فهو التحكيم، الذي أجهز على البقية الباقية من الفريق التي سلمت من عبث البلجيكي. فحكام المهنا في كل جولة لا بد أن يكون لهم مع الليوث بصمة، وآخرها أمام الفتح بركلة جزاء وهمية، وقبلها هدف من تسلل للشعلة، وقبلها النصر، وغيرها الكثير.
عموماً، الشبابيون اعتادوا على ذلك في الدوري، وأصبح غير الطبيعي لديهم أن تخلو مبارياتهم من ظلم، لكنهم في المقابل، وبعد أن ذاقوا ما ذاقوا من الحكام في الدوري، يحدوهم الأمل بحضور طاقم حكام أجانب للقاء النصر في كأس ولي العهد بعد أسبوع من الآن، وإلا فإن تجربة مرعي والعمري المريرة على الشبابيين ستتكرر.
لكل منبر أدواته
يضع (النيو لوك) على محياه في ظهوره التلفزيوني.. يتصنع المثالية.. وينافح عن الوطنية.. ويتحدث عن الأفكار والرؤى بطرح غاية في العقلانية.. لكن في حسابه الشخصي أو عموده الصحفي (يبتلع) كل ما قاله؛ فيغرد بخلاف الحالة، ويغمر بالتعصب مقاله. وعندما تبادره بسؤال عن الفَرْق بين ما يكتبه هنا وما يقوله هناك يبادرك بالقول «لكل منبر أدواته».