البشر جميعاً متشابهون في الصفات والأفكار والأفعال، لكنها تختلف من فرد لآخر، حسب المواقف والتحديات التي يتعرضون لها ومدى التقبل لها والرضا عنها أو السخط عليها، أو شعورهم بالنقص أو جرح كرامتهم، وذلك نتيجة عدة أسباب مختلفة، يحدث هذا منذ زمن بعيد منذ الطفولة سواء كان نتيجة تربية خاطئة قاسية أو موقف مؤلم صادم، أو فقدان أحد الوالدين، أو تعرض الأسرة لحالة الطلاق، أي ظرف طارئ ومؤلم، تتراكم هذه المشاعر في النفس البشرية، وهنا لا يدرك الإنسان خطورة تراكم الألم والمواقف الماضية ولا يعرف كيف يعالج هذا الألم فيلجأ إلى الحيل الدفاعية ومنها الهروب وعدم المواجهة، أو تعويض ذلك بتعاطي الكحوليات أو المخدرات أو السهر، أو السفر أو حتى العمل الكثير والطويل الذي أحيانا يمتد إلى ساعات طويلة، والخلاصة هو تسكين هذا الألم، تسكين ومحاولة إخفاء هذا العيب أو النقص أو الجرح، ولأسف كلها حيل ووسائل خاطئة تكون النتيجة الوصول إلى مرحلة الانفجار والتيهان أكثر وأكثر في لحظات الضعف الإنساني فيبدأ إسقاط هذه المواقف أو العيوب أو النقص على الآخرين بأي طريقة، عصبية، صراخ، انتقام، صراع، أو أحيانا الشعور بالضعف والانسحاب والعزلة من الناس والمجتمع، وهذا يجعل الدائرة تتوسع أكثر وأكثر فربما تتحول إلى أمراض عضوية ونفسية.
* * *
غالبا البشر يهربون لا يواجهون تلك المشاعر الدفينة، بينما لو تمت المواجهة منذ إدراك الخلل والعيب أو الألم لاختصرنا الكثير من الوقت، لكنها ربما لحكمة أن يمر الإنسان بالعديد من الصدمات والتحديات لتجعله يولد ولادة جديدة يتفتح من خلال هذا المخاض الكثير من الوعي والحب والتسامح والعطاء، كأنها تصهر معدن الإنسان، وهنا يوجد خياران إما الخضوع للمواقف الماضية بإحباط ويأس أو الطريق الآخر الذي يحتاج العزيمة والقوة للنهوض من جديد، المغزى والمعنى الحقيقي لكل ما ذكرت أن نتعلم من التجربة ولنكن أكثر إنسانيا روحانيا طيبين معطائين، لكن لن تكون لكل البشر، هي هدايا فقط لأصحاب الإرادة التي اتصفت وعرفت معنى التسامح الذات قبل الآخرين ثم استطاعت مسامحة الآخرين من تسببوا في هذه الجروح أو المواقف الصادمة والموجعة، من استطاعت النهوض وزرع الأمل في حياتها وحياة الآخرين، من تعلمت من التجربة والدرس العظيم.
* * *
الإنسان يمتلك عالمين، عالم الخير والنور، وعالم الشر والظلام، والطريق مفتوح للتعلم وللعطاء، فهناك أوجد الله سبحانه وتعالى الحرية والخيار للإنسان إما شاكرا أو كفورا، ربما أحيانا نسأل لماذا كل هذا ؟، ربما هو اختبار للإنسان، لتقوية الإنسان، ربما لأن الإنسان لن يدرك الخير أو الحب أو العطاء دون أن يدرك أيضا العكس، الغضب، الحزن، الجوع، الألم.
* * *
في كل الأحوال على الإنسان أن يواجه مناطق الألم، المواقف القديمة، عيوب الذات، الكراهية، الحقد، الخوف، علية أن يواجه ذلك بحب وأن يتفهم الظروف وكل تلك المواقف لحظة بلحظة، علية أن يعبر عن ذلك ويتحدث لا يكتمها بل يعبر ويعبر، يفتح الباب للعبور لروح نحو السماء والرؤية الحقيقية لكل تلك المشاعر المؤلمة، حينها سيشعر براحة والحياة تدب بعروقه وروحة، حينها سيفكر أكثر ما علية فعله، بل سيشعر بكل المتألمين والمتعبين غيره من البشر، سيخلق عنده حب المساعدة و تخفيف الألم عن الآخرين، وهذا ما شاهدناه في البعض الذين تعرضوا لفقدان أولادهم بحوادث أو إمراض مختلفة في وقتها أنتابهم الألم والحزن والغضب لكن بعد هدوء العاصفة بدأت الذات تفكر ماذا عليها فعلة، من وسط تلك المشاعر الصادقة يظهر النور الحقيقي لوجود الإنسان والحدس الداخلي لقدرات الإنسان ( ساعد الآخرين ) فينهضون لبناء جمعيات أو مراكز خاصة أن كانت للمشردين كدار للأيتام أو مراكز طبية لمرضى القلب أو مركز خاصة بتوحد، هؤلاء الناس عانوا من فقدان أحد قريب لهم لكنهم عرفوا الطريق والنور والغاية والهدف من كل تلك الماسي فكانوا أروع نموذج للعطاء والحب والمشاركة.
* * *
على الإنسان أن يسامح الماضي بكل أوجاعه يجعله يرقد بسلام وأن يسامح ذاته بحب ورضا دون جلدها أو تصغيرها أو معاتبتها، علية أن يحتضن كل تلك الأشياء بحب وتسامح ويكون خير معلم لنفسه وللكل، حينها يكون نجح في توصيل رسالته على أكمل وجه، عندما نتأمل التاريخ أو الحياة نجد كل أصحاب المواقف العظيمة والإنسانية عرفوا معنى الجوع، أو الألم، أو الفراق، فحرثوا الأرض بقوة الجبال، وسقوا المارة من البشر بالحب والعطاء، لأنهم يدركون ويشعرون بتلك المعاناة، فأصبحوا يمهدون الأمل ويزرعون العزيمة للوصول إلى جوهر الحياة، الحب والعطاء والمشاركة.