الجزيرة - وارسو - حاوره - عبدالله بن فهد أبا الجيش:
وصف معالي وزير الثقافة والتراث البولندي السيد بوجدان زدرويفسكي المملكة العربية السعودية بالبلد ذي المخزون الثقافي الهائل، الذي يعود تاريخه لقرون مضت، مشيداً باهتمام المملكة بالمحافظة على الآثار وحمايتها، وكذلك بنشاطها الكبير لإبراز آثارها الثمينة للعالم من خلال عرضها بأشهر المتاحف العالمية، ومؤملاً أن تكون زيارته القريبة للمملكة الانطلاقة لتأسيس علاقات ثقافية مباشرة وقوية معها.
هذا وغيره جاء خلال لقاء صحيفة الجزيرة معه بمناسبة زيارته للمملكة العربية السعودية.
* سيقوم معاليكم بزيارة للمملكة العربية السعودية بدءاً من اليوم، فهل لك أن تخبرنا عن أهم المواضيع التي سيتم نقاشها مع الجانب السعودي خلال هذه الزيارة؟
- بداية، اسمح لي أن أتوجه بالشكر لمعالي وزير الثقافة والإعلام بالمملكة العربية السعودية الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة لدعوته الكريمة لي لزيارة المملكة. وهذه هي الزيارة الأولى لوزير ثقافة وتراث بولندي؛ إذ لم يسبق لأي وزير ثقافة وتراث بولندي أن قام بزيارة المملكة من قبل؛ وهذا هو سبب سروري لزيارة الرياض. ويعود اتصال بولندا بالمملكة إلى القرن السادس عشر الميلادي، وذلك مذكور في كتاب باللغة اللاتينية، قام بتأليفه مؤلف بولندي، زار مكة المكرمة. والكتاب موجود بمكتبة جامعة اكسفورد. والتعاون الثقافي القائم حالياً بين بولندا والمملكة غير منتظم - إن صح التعبير - لذلك فإني أؤمل في هذه الزيارة كبير الرجاء والتوقعات أن تؤسس للتعاون الثقافي بيننا بشكل جديد ومباشر، وتنشيط التعاون في الجانب الثقافي. وبالطبع سوف نتطرق مع الجانب السعودي إلى موضوع المحافظة على الآثار وحمايتها، وإمكانية مساهمة أخصائيي ترميم الآثار البولنديين والمشهورين على مستوى العالم في ترميم الآثار الثمينة في المملكة العربية السعودية. كما سنتناقش مع وزير الثقافة والإعلام السعودي بخصوص مشاريع تتعلق بإبراز الثقافة السعودية في بولندا، وكذلك إبراز وعرض الثقافة البولندية بالمملكة.
* بولندا إحدى الدول الأوروبية الغنية ثقافياً وتراثياً، والمملكة العربية السعودية تمتلك هي الأخرى مخزوناً ثقافياً وتراثياً كبيراً كذلك. من وجهة نظرك، كيف لهذا التماثل أن يساعد البلدَين في تطوير علاقتهما؟
- يحق لكل من بولندا والسعودية أن تفتخرا بمورثَيهما التراثيَّيْن؛ فكلا البلدين لديه عددٌ من المواقع الأثرية المدرجة على قائمة التراث العالمي (اليونسكو)؛ ففي بولندا هناك البلدة القديمة في مدينة جاموسك وتورن والمركز التاريخي في مدينتي وارسو وكراكوف ومناجم الملح الملكية في بوخنا ويلزيكا. والسعودية لديها مواقع أثرية كثيرة ومهمة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والدرعية ومدائن صالح وفي نجران وغيرها. ووجود مثل هذه المواقع ببلدَينا سبب عظيم للفخر والاعتزاز؛ وهذا يحتم علينا التزاماً كبيراً بالمحافظة عليها والاستفادة من أي فرصة لتطوير وحماية هذه الآثار، وتبادل الخبرات ووجهات النظر في مجال الآثار. وبولندا مستعدة للتعاون مع المملكة العربية السعودية؛ وذلك كونها أيضاً عضواً انتُخب حديثاً في لجنة التراث العالمي لليونسكو. وكما أكدت مراراً وتكراراً، فإن حماية الآثار والمحافظة عليها من أهم أولوياتي، وهي واجبنا تجاه الأجيال القادمة. وفي العام الماضي أطلقت برنامجاً خاصاً للأطفال حتى سن السادسة عشرة باسم (متحف لأجل ازلوتي بولندي)، ومن خلال هذا البرنامج استطاع الشباب والفتيات البولنديون زيارة جميع المتاحف البولندية؛ وذلك نظير مقابل رمزي وشكلي جداً. وهذه المبادرة جزء من عملية زيادة الوعي الثقافي لدى الأطفال، وذلك أمر مهم جداً في نظري؛ فهم المستهلكون للثقافة الذين تعد تنميتهم وزيادتهم من الأولويات في سياسة الدولة البولندية؛ فالطفل الذي لديه اتصال بالفن والثقافة في سن مبكرة سيصبح من مستهلكي الثقافة المستقبليين الذين سيملؤون المسارح والحفلات الموسيقية والمعارض، وسيزدادون حتى يصبح لدينا جمهور ذو فكر إبداعي ومنفتح. ومما لا شك فيه أن تنمية الثقافة لها تأثير مباشر على تطوير الإمكانات الفكرية للمجتمع.
* ما انطباعكم عن المملكة العربية السعودية والثقافة السعودية بشكل خاص؟
- كما ذكرت لك سابقاً، هذه هي زيارتي الأولى للمملكة العربية السعودية، وهي كذلك أول زيارة لوزير ثقافة وتراث بولندي للسعودية. وأود أن أوضح أن الثقافة السعودية ليست معروفة بشكل كبير في بولندا، وهذا - من جانب - يُعتبر أمراً محزناً نظراً لثقافتها الثرية الممتد تاريخها لقرون مضت. ولكن من الجانب الآخر، هي فرصة كبيرة لإقامة علاقات تعاون مثمرة ومثيرة للاهتمام. وبالنسبة لي ولكثير من البولنديين مثلي، فإن المملكة العربية السعودية مرتبطة بالمدن الحديثة، كمدينة الرياض، ووجود الأماكن المقدسة كمكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي مشهورة كذلك بآثارها المذهلة التي اكتُشفت بالمملكة، والتي تم عرضها في أفضل القاعات في مختلف متاحف العالم، بما في ذلك في متحف اللوفر أو متحف الارميتاج. وآمل أن تتاح لي الفرصة خلال زيارتي أن أقوم بزيارة أهم المؤسسات الثقافية بمدينة الرياض، ولقاء الفنانين كذلك والحديث معهم حول توقعاتهم لمستقبل التعاون بين البلدين؛ فأنا أود أن تكون الثقافة السعودية حاضرة ومستضافة ببولندا بشكل أكبر.
* افتتحت الأيام السعودية الثقافية في شهر مايو الماضي بوارسو، فكيف وجدتم أثر هذه الفعالية لاستكشاف المملكة على المجتمع البولندي؟ وهل سوف نرى فعاليات ثقافية بولندية بالرياض قريباً؟
- لقد سُررت بإقامة أيام سعودية لأول مرة في بولندا، التي افتُتحت في شهر مايو من عام 2013، وقد شاركت شخصياً في الافتتاح الرسمي الذي حدث في المتحف الإثنوغرافي الوطني في وارسو، وسعدت برؤية التنوع الثري للثقافة السعودية، وأرجو أن يكون المعرض المصاحب للفعاليات قد قدَّم للجمهور البولندي المعرفة الكافية عن هذا البلد. وأنا مهتم كذلك بإقامة فعاليات بولندية مماثلة في السعودية؛ فنحن نملك مخزوناً ثقافياً غنياً جداً؛ نود أن يطلع عليه المجتمع السعودي؛ لتشجيعهم على لزيارة بولندا كذلك.
* في نهاية هذا اللقاء، هل لديكم كلمة تودون توجيهها للمواطنين السعوديين؟
- أود أن أشكرك على إجراء هذا اللقاء معي، وأستغل هذه الفرصة لأدعو الشعب السعودي لزيارة بولندا مَوْطن الموسيقيّ العالميّ فريدريك شوبين. وبولندا غنية ثقافياً، ومفتوحة لكل من يريد استكشافها، وأتمنى أن ينتج من خلال هذه الزيارة عددٌ من الرؤى والمشاريع الثقافية المشتركة، التي من شأنها نقل الثقافة السعودية لبولندا، وكذلك نقل الثقافة البولندية لسكان بلدكم الجميل.