اندلعت في أواخر سنة 2010م موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في أنحاء الوطن العربي بما يطلقون عليها «ثورات الربيع العربي»، والتي بدأت في تونس وكانت بمنطلق الشرارة الأولى التي من ثم انتشرت في جميع الأقطار العربية.
وكان من أسباب انتشار هذه الموجة من الاحتجاجات التي بدورها أدت إلى انتشار الثورات هو الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية في البلدان العربية ذات الحكم الجمهوري.
لقد تداول هذا المصطلح في كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بما يسمى ثورات الربيع العربي، ولكن أي ربيع هذا الذي يقتل فيه الشباب وييتم فيه الأطفال وترمل فيه النساء وتعم الفوضى في الدول .
ودعونا نتحدث عن هذا الموضوع الشائك الذي هو حديث كل الناس في مختلف وسائل الإعلام سواء كان الحديث على شبكة الإنترنت أو على شاشات التلفاز .
وبكل أسف لم ينتج عن ثورات الربيع العربي غير الدمار والتخريب في كل الدول التي مرت بها ثورات الربيع اقصد (الخريف)، ومن هنا قمت بكتابة هذه السطور تعبيرا عن أنها ثورات خريف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث تتساقط أوراق الأشجار في شهر الخريف كما تتساقط الدول.
فبأيدي من قتل هؤلاء، ومن هو الرأس المدبر وراء كل هذه الأحداث التي توالت على الوطن العربي ابتداء من تونس وانتهاء باليمن، ولقد بحثت عن أي ناتج إيجابي جاء من وراء هذه الثورات فلم أجد شيئاً غير انهيار اقتصاد الوطن العربي وتدميره عن بكرة أبيه خصوصاً في الدول التي شهدت تلك المآسي والأحزان.
أتكلم اليوم إلى من يكررون ليل نهار هذه الكلمة وهم سعداء بها، ويتحدثون عنها باسم التغيير والديمقراطية والتعبير عن حرية الرأي وللأسف لم يتحقق شيء من هذا كله.
ولقد تطرق إلى ذهني سؤال: هل في الإسلام ما يسمى بالثورة؟
إن علماء أهل السنة على مدار تاريخ الإسلام كله كانوا إذا نزلت النوازل بالخلق أرجعوهم إلى الرب جل وعلا، واعلموهم أن ما نزل إنما نزل بذنب وأن هذه النوازل بما كسبت أيديهم.
ونستشهد بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ (نَعَمْ) قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ (نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ) قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ ( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ) قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ (نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا قَالَ (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ) قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ) قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ). صحيح البخاري (6557 )، صحيح مسلم (3434)، مسند أحمد (22334)، سنن أبي داود (3706)، وفي رواية لمسلم (يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) (3435)، وفي رواية لأحمد ( فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ وَأَنْتَ أَنْ تَمُوتَ يَا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُم (22195).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي. 1848 صحيح مسلم - باب الإمارة.
الثورة في الإسلام معصية وجريرة وليس في الإسلام ما يسمى بـ» ثورة « وأول ثورة في الإسلام قام بها «عبد الله بن سبأ اليهودي» الذي أسلم ليفسد على المسلمين دينهم وكان من جرائها مقتل الخليفة الراشد «عثمان بن عفان»، وهذه الثورات لإفساد الدين على الناس ويدعون أن الثورات مباركة والسؤال هنا مباركة في أي شيء؟! وما الذي نتج عن تلك الثورات؟! هل نتج عنها فوائد ومنافع للناس؟! أم نتج عنها خراب ودمار وسفك للدماء؟.
وعلى غرار هذا إذا تحدثنا عن احدى اعتى الدول التي حدث فيها ثورة كمصر-أرض الكنانة- بلد الأمن والأمان والاستقرار وما طرأ عليها من تغيرات وأحداث مؤسفة من انفجارات وعمليات إرهابية لا ينتج عنها سوى التدمير والخراب وزهق الأرواح وانشقاق وحدة الصف بين مواطني البلد الواحد وأمور يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان.
شكا الناس يوماً إلى الحسن البصري ظلم الحجاج، فقال الحسن إن الحجاج عقوبة من الله وعقاب فتوبوا إلى بارئكم فإن عقوبة الله رب العالمين لا تدفع بالأكف والسيوف وإنما تدفع بالإنابة والإخبات والخروج من ربقة الذنوب وهذا هو الطريق.
والمبتغى من كل هذه الثورات هو تفتيت الوحدة بين مسلمي الشعب الواحد وشق عصا الطاعة والخروج على ولي الأمر.
إن موسى عليه السلام لما جاءه قومه المستضعفون في الأرض وكان فرعون وملؤه يسومونهم الخسف وسوء العذاب فجاؤوا إلى موسى شاكين فأرشدهم إلى الحق والصواب وقال لهم استعينوا بالله واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وعندما جاء إلى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فقهاء بغداد يطلبون منه الخروج على الواثق بالله، وكان يأتي بأعمال كفرية ويقتل العلماء الذين يقولون بغير قوله تارة ويعذبهم تارة أخرى، وكان الإمام أحمد قد عذب وضرب من قبل الواثق ومع ذلك قال الإمام احمد بن حنبل للفقهاء- لا- إنها الفتنة فردوا عليه الفقهاء وقالوا يا أبا عبدالله أي فتنة اكبر مما نحن فيه؟ فقال الإمام إنها الفتنة العامة تقطع السبل وتهدم الدور وتنتهك الأعراض وتسلب الأموال وتغلق المساجد ويضيع الدين فاصبروا يسلم لكم دينكم حتى تبعوا رأيه وما لبث كثير حتى مات الواثق وأتى المتوكل رحمه الله فنصر السنة ورفع المحنة.
وقال الإمام ابن حنبل أما عن الحاكم أو الرئيس الظالم «اصبروا حتى يستريح برٌ ويستراح من فاجر».