سمر فتاة تجدل شعرها الذهبي منذ عامين في مخيم اللاجئين.
ترقب كل يوم كيف تأكل الأرض وجوه من هم حولها.. وكيف يشرب الظمأ في لهيب الشمس من على شفاههم..
وكيف تدفن آمال الصغار في مقابر جماعية حين يعصف الشتاء بلا هوادة
يقرع في قلوب الخوف أصوات الغربة والخذلان
ويدندن لحن الوفاء القديم لديار استكثرت عليها الذكريات فوارتها التراب
ولم تبق لسكانها سوى الفراغ في قلوبهم
وعروس غاب زوجها لا تعلم هل سبقت إليه السماء أم لا يزال لمنسأته ظلا.
وشيخا بقي له في اجتياز الحدود عصا يتكئ عليها ترى في عينيه حسرة الدنيا كلها
وعجز الإنسان إذا تقادمت به السنون، فلم يقو بعد على حمل ثقلها.
وضوء من بعيد لحياة ليست بحياتهم، لا يزال صبيانها يلعبون
ونسائها يتضاحكن، ورجالها يعفرون التراب ليجمعوا أرزاقهم.
كل شيء تبدل في عينيها إلا السماء لا تزال ذات الزرقة وذات الغمام
ولا تزال طيورها تغدو بآمالها وتعود..
ولا يزال الحلم يدب في قلبها لزمن العودة
وهل حقا ستعود..؟!
أما حسام في الخيمة المقابلة فهي تراه ينحت في بعض الأخشاب مجسدات لا وجوه لها
ومسدسات يعطيها لبعض الصغار يلعبون بها ولكن حسهم بات على يقين
بأنها تجسد ما رأوه من موت..
فهم منها على خوف ووجل!
تسمع إذا هدأت الأصوات ليلا بعض ما يسربه الليل من حديث
يقولون: كل عذب فيه مرارة وفي كل شر خير..
يقولون: الدنيا كامرأة قذرة لا تثبت على زوج..
يقولون: أعداء الحرية لا يجيدون المناقشة ولا الجدال بل يصرخون ويطلقون النار..
يقولون: إن المقابر أصبحت كرواية لها كل ليلة موعد مع أحدهم.
ثم رأيت ولدا يبحث عن قلم يكتب به جملة واحدة..
يا لبؤس من هنا.
أما سمر فكتبت أن ثمن الحرية باهظ جدا ولكن الحرية والكرامة قوة في النفس تسهل في طريقها الصعاب.
يقال: العيش بسعادة قوة من قوى الروح الكامنة..
في أمان الله.