اكتسبت مدينة الرياض هذا الاسم لكونها مجمع روضات تتجمع فيها الأمطار والسيول منذ الأزل. وكان يطلق على هذه البقعة من العارض «حجر اليمامة». وحجر هذه، كما يذكر الشيخان حمد الجاسر وعبدالله بن خميس رحمهما الله، كانت مجموعة من القصور والبساتين، احتجرها عبيد بن ثعلبة بن يربوع الحنفي، زعيم قبيلة بنو حنيفة، بعد أن كان يتجول في هذه الديار، قادماً من عالية نجد وأطراف الحجاز إلى منطقة اليمامة قبل قرنين من ظهور الإسلام. وكان يقطن هذه المنطقة قبيلة تدعى طسم، وفي منطقة الخرج كانت تقطن قبيلة أخرى تدعى جديس، وحصل بينهما حروب ومعارك انتشر وتفرق على إثرها أفراد قبيلة طسم، وخلالها حدثت قصة زرقاء اليمامة المعروفة. وعندما ورد عبيد بن ثعلبه الحنفي إليها وجد المياه والأنهار والخضرة والرطب فجاز له المقام، فاحتجر له ثلاثين قصراً وثلاثين حديقة من أطلال طسم، واستوطن قومه بنو حنيفة هذه الديار، فأصبحت تسمى حجر اليمامة. وقد نشأت على أطلال حجر عدة بلدات يتصل بعضها ببعض تشمل مقرن ومعكال والعود والخراب والبنية والصليعاء وجبرة، وهذه تشكل أحياء وسط الرياض حالياً. واستمرت تلك البلدات عائشةً، مسالمةً، تارةً، ومحاربةً تارة أخرى على مر القرون والسنين الماضية. وفي منتصف القرن الحادي عشر الهجري بدأ اسم الرياض يظهر أول مرة على تلك البلدات وما حولها.
هذه المقدمة تقودنا إلى شعيب أبو رفُيع، كونه الوادي الوحيد الأقوى الذي يخترق الرياض القديمة من شمالها إلى وسطها وجنوبها، وكان فيضان هذا الشعيب يغذي البساتين والحقول وسط الرياض قديماً. ومن فيضانه وغيره من الشعاب تتشكل الرياض والبحيرات عبر العصور في تلك البقعة الواقعة عليها تلك البلدات المذكورة آنفاً وما حولها، واكتسبت اسم الرياض. وبالنظر إلى خريطة جوية قديمة للرياض (المرفقة) يلاحظ أن الرياض القديمة إلى عهد قريب (منتصف القرن الهجري الماضي) تقع في منطقة متوسطة، وبعيدة نسبياً عن مجرى وادي حنيفة من الغرب ورافده الشرقي وادي الأيسن. وكذلك بعيدة عن وادي البطحاء من الشرق، وينسابان إلى الجنوب. حيث يصب وادي البطحاء في وادي حنيفة جنوب الرياض في حي المصانع خلف محطة التقنية حالياً، مخلفين وراءهما مدينة الرياض القديمة، ويستمر وادي حنيفة جنوباً متجهاً إلى الحاير.
فشعيب أبو رُفيع هو الوادي الوحيد، إن صح التعبير، الذي تستمد منه الرياض قديماً مياه السيول والفيضانات، مخترقاً وسطها من الشمال إلى الجنوب، بالإضافة طبعاً إلى بعض الشعاب الصغيرة المعروفة حول الرياض وتسمى «الصنوع» جمع «صِنع» ومنها، كما يذكر الأستاذ خالد بن سليمان في كتابه معجم مدينة الرياض، صنع الكليبية الذي ينحدر من تلال شمال غرب الرياض (حول موقع خزان مياه عليشة)، وينحدر جنوباً حتى يغذي بساتين غرب الرياض مثل القُرَيْ والجرادية، وينتهي في صياح في وادي حنيفة جنوب غرب الرياض. وهناك شعاب أخرى، لكنها تنتهي عادةً في مزارع وبساتين نخيل محلية، ولا تشكل فيضانات مشابهةً لأبو رفيع. وشعيب أبو رُفيع يتشكل (كما في الخريطة المرفقة ) من الظهار والتلال الجبلية القليلة الارتفاع شمال غرب الرياض القديمة، المسماة ظهار الوشام الواقع عليها معهد العاصمة النموذجي حالياً وما حوله. وينحدر أبو رفيع جنوباً حتى منطقة المربع. ويتفرع إلى فرعين، فرع يسيل شرقاً، ويغذي وادي البطحاء بمحاذاة بساتين الشمسية شمال شارع الملك فيصل (الوزير)، والفرع الآخر ينحدر جنوباً، متجهاً إلى وسط الرياض مخترقاً المربع، ثم حي الفوطة وحي العطايف وحي الظهيره، إلى أن يصل إلى بساتين النخيل المسماة الحامدية والبابية، (موقع شارع آل ريس وأسواق الكباري سابقاً)، وكذلك حي دخنة وغرب معكال وسلام نخل الأمير عبد الله بن عبد الرحمن يرحمه الله (منتزه سلام حالياً).
وكان فيضان شعيب أبو رفُيع يشكل بعبعاً، يقلق سكان الرياض وفلاحيها في تلك السنين موسم الأمطار وقد حدث فعلاً فيضان عظيم سنة 1328هـ، اخترق الرياض وأغرق البيوت والبساتين، وسميت تلك السنة لدى أهل الرياض «سنة أبو رفيع». وفي عهد الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، أُتخذ حاجزاً من الحجارة، وصرف فرع أبو رفيع شمال المربع المتجه إلى وسط الرياض، ووجه إلى وادي البطحاء شرقاً. وقد اختفت معالم هذا الشعيب في الوقت الحاضر، ومجراه معطل الآن بحكم امتداد التطور العمراني شمال الرياض القديمة.
أما ما يحيط بالرياض الحديثة من أودية وشعاب، إضافة إلى أودية البطحاء وحنيفة والأيسن، فهناك وادي السلي في الشرق، وشعاب أخرى خلف مطار الرياض القديم في الشمال الشرقي من المدينة، التي كانت تغذي وادي البطحاء وقد غطتها الأحياء الجديدة واختفت معالمها.
وقد ذكر الشيخ عبد الله بن خميس، يرحمه الله، بيتاً من الشعر للشاعر الشعبي والفلكي راشد الخلاوي واصفاً الشعاب والأدوية قائلاً:
وادي جرى لابد يجري من الحيا
إما جرى عامه جرى عام عايد
والله الموفق،،،