سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قرأت بصحيفتكم بالعدد (15070) زاوية «مطر الكلمات» بموضوعها عن (الكريسماس) للكاتبة سمر المقرن..! فواجبنا بيان الحق بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والتي هي منهج ودستور هذا البلد (المملكة العربية السعودية)، وعليه فإنني قرأت مقالها بكل دقة وتعجب, فلوحظ من نبرات وأحبار قلمها صوت فيه من الوعي العلمي المخلوط بين الاستنباط بدون فهم وقصد مدلول السماحة الإسلامية والتي حث عليها ديننا ومليكنا.!
لذا فأقول: إن مشايخنا وعلماءنا على ما أظنه وأعتقده بل وأجزم به بأن قصدهم عدم الانحياز وعدم تقليدهم ولا بد أن تكون نوايانا فيها نوع من العذر لهم وإن أخطأ أحدهم فلا يعمم على الجمع لأن الفاسد فاسد لنفسه ولا يحسب فساده لغيره، كذلك الصالح صالح لنفسه ولا يحسب صلاحه لغيره، إلا، وإلا تعني (الاستثناء) في حال ترك المنكر ولا نقوم بإنكاره فحينها يكون صاحب المنكر عائماً فساده لغيره كما جاء ذلك في القرون السابقة، بل في بني إسرائيل حين تركوا المنكر فكان تركهم له فساداً لغيرهم.
والسماحة أوصى بها ديننا.. وحث عليها كما جاء ذلك: عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ» أخرجه البخاري.
ولكن أتعلمين: بأن السماحة هي مخالفتهم واتباع أمر الله عز وجل واتباع نهج النبي الكريم واتباع أمر ونهج (المملكة العربية السعودية) بارتباطها بالسماحة وتماشيها على ضوء السنة والتشريع.. أين أنتن عن الحديث: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: ((من صنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، ولم يتب، حشر معهم يوم القيامة)). أخرجه البيهقي وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا القول منه، يقتضي أن فعل ذلك من الكبائر، وفعل اليسير من ذلك يجر إلى الكثير.. كيف يجر إلى الكثير .. بالتمادي وهو يأتي بالتعجب من أفعالهم ثم أقوالهم ثم الانحدار تدريجياً حتى نسقط في بئرهم ثم لا دين ولا ملة.!
ومن الدلائل بأن ديننا دين السماحة بل ديننا أثبت وجوده للعالم وهو حينما بعث بابا الفاتيكان فرنسيس الأول تهانيه إلى المسلمين في شهر رمضان وهذا يدل على إعجابه وسلامه وإنحيازه للمسلمين.. لأنه لم ير إلا الخير وكيف لا يرى خيرا والمملكة لها جهودها في مركز الملك عبد الله لحوار الأديان والثقافات..!
وحكم مشاركة المسلمين عيدهم ليس من حكم الشيخ فلان أو العالم فلان ولكن هو حكم إلهي يقتضي التسليم به والرضى، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.
قال التابعي محمد بن سيرين في قوله {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} هم الشَّعَّانين أي عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح، ويحتفلون فيه بحمل السعف ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس.
وقال مجاهد: (هو أعياد المشركين). وقال الربيع بن أنس (أعياد المشركين)، وقال الضحاك: (هو عيد المشركين). وقال عكرمة: (وهو لعب كان لهم في الجاهلية).
وقال عمرو بن مرة: (لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد هذه الأقوال: [وقول: هؤلاء التابعين أنه (أي الزور) أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم: إنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية, وهكذا سمى الله تعالى أعيادهم زوراً، ونهى عباد الرحمن عن حضوره وشهوده، فإذا كان حضور أعيادهم ومشاهدتها لا تنبغي فكيف بمشاركتهم فيها والموافقة عليها] أ.هـ كلامه.
ثانياً: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال : ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) [رواه أبو داود وصححه الألباني].
ثالثا : ومن حديث عائشة رضي الله عنها - كما في الصحيحين - قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيداً ، وإن عيدنا هذا اليوم).
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه : تشبه الخسيس بأهل الخميس: فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يوجب اختصاص كل قومٍ بعيدهم، كما قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}.
وقال العلماء: ومن موالاتهم التشبه بهم، وإظهار أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائه في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم فقد أعانهم على إظهارها، وهذا منكر وبدعة في دين الإسلام، ولا يفعل ذلك إلا كل قليل الدين والإيمان. ويدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) أ.هـ كلامهم.
وهذا لا يعني إعلان الحرب عليهم أو كما تفضلتِ آنستي بقولك: (ولن يتحقق السلام الخارجي قبل الداخلي، فعملية إعادة تثقيف المجتمع ليست بعملية سهلة، بل هي بحاجة إلى أن تبدأ بإعادة نظرة الإنسان المسلم إلى نفسه ودينه، لتعميق النظرة وعدم تسطيحها للركوض وراء دعاة الفرقة وهواة إشعال الفتن).
هل هذا يعني أن قول الله عز وجل المذكور أنفا يعني إشعال الفتن بين الأديان؟
هل ما ذكره السلف من تفاسيرهم يطابق كلامك سيدتي؟
ثم إن خادم الحرمين الشريفين حين قال مقولته وكلمته في اجتماع حوار الأديان فيه لفتة فقهية عميقة المدى محكمة شرعاً ومطابق لهدي النبي الكريم حينما جاء عن أنس بن مالك قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني (عباءة) غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة - [أي جذبه جذبة قوية] حتى رأيت صفح عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته (تركت الجذبة علامة على عنق الرسول)، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
ولا يعني بأن التعاهد معهم والتسامح معهم والتلاطف بود حيال قصد ونية بأن الأخلاق تأسر ولذلك نأسرهم بأخلاقنا ومعاملاتنا ليس بالتهاني والتبريكات لعيدهم وليس بالتأييد لعيدهم أو المشاركة معهم لأن المعاملة والتسامح يختلف عن المبدأ والرضى والتعجب لصنيعهم.
وختاماً أختصر بقول: التعامل الحسن حيال التجارة والتعاهد معهم حيال الأعمال حسن ولا بأس به ونصت عليه الشريعة الإسلامية بل كان سببا في إسلام كثير منهم.. ولكن أختلف بمشاركتهم أعيادهم واحتفالاتهم والتهاني بعيدهم، لأن هذا فيه تأييد لدينهم وعيدهم الذي لا أصل له في الدين.
(وهذه قضية من لا قضية له) في مشاركتهم وتأييد دينهم واصطناع أعذار لترجمة الأهواء بفهم المنظوم على المراد المعقود المصاغ في عقل الاصطناع لحبه واعتقاده المطاع.. جريمة للنفس حيال الانزلاق وراء أحبار نزفات الصامت والحائز لفقهه.. قد يجر نزفات حبره وسرعة جريانه لارتكاب الأقوال المتشابكة بحروفها وبلون حبرها وإعجاب اقتباساتها إلى التهتف للتحايل بدون قصد لمقصد المملكة من حكمتها وممارسة رسالتها للأديان.
سبحان الله عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين..!