مثلما أوضحنا أمس في هذا المكان، بأنّ منبع الإرهاب في قوس الفوضى الممتد من هضبة فارس حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط، فإنّ المحصلة النهائية والناتج يخطط له أن يكون ناتجاً يدعم مخططات نشر الفوضى في المنطقة العربية، لتمكين الأذرع الطائفية في إملاء الفراغ واستكمال بناء القوس الطائفي.
في العراق وفي الأنبار بالتحديد، تعاون نوري المالكي وداعش لتنفيذ ما وجَّه به «ريموت كنترول» طهران، كان المخطط أن يحشد نوري المالكي قواته ويستقدم قوات من الجنوب لفض اعتصام ساحات في مدينة الرمادي، وإذلال خصوم المالكي من الرموز السياسية من أبناء الدليم، والذين لا يعكسون فقط النفوذ السياسي، بل يمثلون انتماءً عشائرياً وامتداداً اجتماعياً يمثِّل قوة لا يستهان بها، وهو ما دأب عليه أبناء البادية، هذا الأمر عرفه الأمريكيون بعدما أذاقتهم عشائر الدليم في الفلوجة والرمادي وهيت وعانة والقائم الويلات، فكان أن توصلوا إلى تفاهم تولّدت عنه قوات الصحوات التي أنقذت العراق من القاعدة، ومكّنت القوات الأمريكية من النجاة من مستنقع القاعدة في تلك المنطقة.
المالكي خوفاً من نمو القوة العربية السنِّية وبتوجيه من التحكم بـ»ريموت كنترول» الجنرال قاسم سليماني، أضعف الصحوات وقطع عنها رواتبها، بل وحتى محاربتها وتنظيم اغتيالات بحق قادتها، ومنها قائدها ومؤسِّسها الشيخ عبد الستار أبوريشة.
الآن وعبر قنوات الصحوة وإن قام بالدور مقاتلو العشائر الذين هم أبناء الصحوة، تصدّوا لمخطط المالكي الذي وجَّهه به قاسم سليماني، والذي يتمثّل في مهاجمة تجمُّعات أبناء الرمادي والفلوجة، بحجّة إنهاء وجود عناصر القاعدة، الذين يزعم المالكي بأنهم يسيطرون على اعتصامات الساحات في تلكما المدينتين، وبدلاً من أن يدعم المالكي الرموز السياسية والعشائرية والوطنية من أبناء الدليم، لإبعاد مثل هذه العناصر الإرهابية إنْ وُجدت، عَمَد إلى إذلال شيوخ العشائر والرمز الوطني النائب الدكتور أحمد العلواني، الذي اقتحمت قوات المالكي منزله وقتلت شقيقه وزوجته، وأظهرته عبر الفضائية الرسمية مكبلاً بصورة توحي بقهره، وهذا معيب وقاهر جداً لدى شيوخ العشائر التي لا يعرفها المالكي، ومن ألحق بنسب العشائر وهم بريئون منه ومن أفعاله.
هدف المالكي من وراء ذلك إظهار العشائر وأبناء الأنبار بأنهم مؤيدون للإرهابيين، وأنّ الساحات بؤر للإرهاب، وهكذا. وبعد اقتحام منزل العلواني واحتلال مدينتي الرمادي والفلوجة، تحرك الطرف الآخر الذي ينفّذ نفس تعليمات حامل «الريموت كنترول»، وأقصد به تنظيم داعش الذي أنشئ من رحم المخابرات السورية الإيرانية، والذي اتجهت عناصره إلى مدينتي الرمادي والفلوجة. ومع أن قوات المالكي قالت إنها استقدمت صواريخ حرارية وأحضرت قوات مدججة، إلاّ أنها فرت أمام عناصر داعش وفق مخطط موضوع سلفاً لإخلاء مواقع قوات المالكي لـ»داعش»، وتمكينهم من احتلال مدينتي الرمادي والفلوجة، بنفس أسلوب احتلال مدن الشمال السوري من قِبل داعش بعد أن يخلي جيش الأسد مواقعه لهم.
ما نجح في سورية فشل في الرمادي، فقد تصدّى أبناء عشائر الدليم والقبائل العربية من أبناء الرمادي والفلوجة لعناصر داعش، وأجبروهم على التوجُّه إلى الصحراء خارج المدن، محققين نصراً كبيراً على هذا التنظيم الإرهابي، الذي حاول قاسم سليماني ونوري المالكي توظيفه لخدمة مخططات باتت مكشوفة، وهو ما سوف نعود إليه في مقالات قادمة.