من كان يتخيل أن مطرباً يشع بالأحاسيس المرهفة العاشقة مثل فضل شاكر أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى مطلوب أمنياً؟! من كان يتخيل أن هذا الفنان الذي طالما جسد الشخصية الرومانسية الحالمة في الغناء العربي المعاصر، قد يعيش مطارداً ومتخفياً ولا أحد يعلم أين هو الآن؟! وكيف هي حالته الصحية والنفسية؟!
منذ اندلاع الثورة السورية في درعا والوسط الفني تحديداً الغنائي في الشام -سورية ولبنان- يعيش حالة انشطار موازية لانشطار الفرقاء السياسيين وأحزابهم, بل وموازية أيضاً لانقسام المجتمع نفسه بين مؤيد للثورة ومعارض لها.
وإذا ما تحدثت عن الأغنية تحديداً سنجد فضل شاكر والسيدة فيروز، أنموذجاً ساطعاً وواضحاً للانقسام أو الانشطار الذي أتى على كل شيء في المنطقة وكأنه عاصفة أو إعصار شرس.
وعلى خلفية تصريحات زياد رحباني، وحديثه على لسان أمه السيدة فيروز؛ ثارت عواطف الكثيرين -ولأول مرة- ضد سيدة الغناء الأهم في الوطن العربي اليوم.
ومثلما فوجئ فريق من الناس بالتحول الذي طرأ على المطرب فضل شاكر، فوجئ آخرون بإعلان زياد رحباني لمواقف أمه السيدة فيروز السياسية، والتي تنتمي بطبيعة الحال للضفة المقابلة لضفة فضل شاكر.
هناك من أنكر على السيدة فيروز انتماءها السياسي، رغم أن الحجر والشجر في لبنان لا يمكن أن تخلو من هذه المواقف التي لا بد منها ولا مفر.
وآخرون أنكروا على زياد التصريح على لسان والدته تلك التي تلتزم الصمت في الشؤون السياسية وصراعاتها منذ أكثر من خمسين عاماً، أي منذ أن سمعها الناس وامتلأت بيوتهم من المحيط إلى الخليج بصوتها وأغنياتها الخالدة. وكان هذا الرأي معترضاً فقط على إعلان الموقف السياسي لفيروز بغض النظر عن انتمائه.
غير أن البقية الباقية من الثائرين على فيروز كانت خلاصة اعتراضهم ليس على أن يكون لديها موقف سياسي ولا أن يكون هناك من يصرح به على الملأ ، بل على أنها لم تكن معهم ، ولم تقف على الضفة التي اختاروها بملء إرادتهم، كما هو حالها بالضبط.
الأمر الذي يكشف عن تناقض رهيب ومفزع في التعاطي مع صمت فيروز وتحدث زياد على لسانها في مقابل موقف فضل شاكر الذي لم يقف عند التصريحات والكلمات بل نزل إلى ميدان الحرب مشاركا ومحمّسا..
ولا خلاف على أن فيروز كائن لا يعرف سوى أن يغني. أما زياد فهو موسيقي وفيلسوف صاحب مزاج عال. ومهما تحدث على لسانه أو لسان والدته، فإنه في أقل الأحوال يتحدث عن بلده التي هو أدرى بمصلحتها، وهو الخاسر الأول والحقيقي إن كان يظن نفسه كذلك وهو ذاهب لخرابها ودمارها. فهي أولا وأخيرا بلده. ومن حقه أن يقول رأيه السياسي. لكن-وهنا يكمن التناقض العجيب- كثيرون ينكرون على فيروز صمتها الذي هو من حقها الأدبي والفني والوطني! وهو صمت تكفله لها رمزيتها الفنية والتاريخية, لكن هؤلاء الذين يفرطون في الاستنكار الذي كثيرا ما ينتهي بالاتهامات المتطايرة، لم يستنكروا على فضل شاكر انخراطه في المعارضة المسلحة، مع العلم أنه قبل تحوله إلى ما هو عليه الآن، خلت كل أعماله من مفردة الوطن، بينما لا تكاد تخلو أغنية واحدة للسيدة فيروز من الوطن ومفرداته, ولفيروز المثل الأعلى.