بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية... بلد أكرمها الله بوجود الحرمين الشريفين بها... وهذا شرف عظيم لهذه الديار المقدسة.. وشرف عظيم لحكومة وشعب المملكة العربية السعودية.. التي شرفها الله بالقيام على خدمة الحرمين الشريفين... وعمارتها وتوفير الأمن والأمان والراحة لضيوف الرحمن من حجاج وعمار...
فالدولة أعزها الله بطاعته تبذل بسخاء في سبيل راحة وأمن الحجاج والعمار وزوار مسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم-.. وهو شرف عظيم نعتز به مسؤولين ومواطنين.. ولهذا فالجميع يشعرون بواجبهم نحو ضيوف الرحمن.. ويتسابق الجميع لتقديم أفضل الخدمات لهم...
ولكن المؤلم جداً أن كثيراً من الذين يفدون لهذه الديار المقدسة باسم العمرة أو الحج أو بهما معاً... يأتون وهم يهدفون من وراء ذلك لغايات وأعمال شريرة بعيدة كل البعد عما يفعله الحاج أو المعتمر.. فالكثير من الوافدين لهذه الديار المقدسة جاءوا من أجل الكسب الحرام.. من أجل الحصول على المال بطرق شتى.. عن طريق التسول.. وهذا ينظر له بعض منهم أنه حلال ومباح.. وقد حدثني أحد الإخوة عن موقف حصل له مع أحد الوافدين باسم العمرة وفي شهر رمضان المبارك في عام مضى.. فقد آذى الناس وأكثر السؤال في الحرم المكي الشريف.. فنصحه أحد الإخوة بأن يكف عن السؤال.. ويرفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى بأن يمده بفضله وكرمه وأن يغنيه بواسع جوده.. وألا يتسول ويؤذي عباد الله في الحرم، فقال المتسول له بكل جرأة وبدون خجل يا ترى أيهما أفضل التسول أم السرقة؟
تصور أن يقارن هذا بين التسول والسرقة.. بمعنى أنه لم يأت لهذه الديار قاصداً وجه الله.. وقاصداً التعبد.. وسؤال الله العفو والعافية.. وكذا الرزق الحلال.. وأيضاً التبتل إلى الله في العبادة.. بأمل شموله بمغفرة ورضوان من الله سبحانه وتعالى...
وإنما صرف جل وقته داخل أروقة الحرم المكي الشريف يتسول ويمد يده ذليلاً يرجو ما عند الناس.. يا للهول.. جاء وشد الرحال من أجل الكسب وسؤال الناس للتزود وجمع المال.. هذا صنف، وصنف آخر سأله أحد الإخوة: متى قدمت لهذه الديار المقدسة؟ ولأي هدف قدمت من أجل العمرة أم الحج؟ فكان جوابه بدون تحفظ شريطة ألا يذكر له اسمه...
فقال: أتيت لهذه الديار المقدسة باسم العمرة.. ومعروف أن تأشيرة العمرة لا تتجاوز الأسبوعين يعني أربعة عشر يوماً فقط.. ورغم هذا فقد اختفى هذا القادم للعمرة عن الأنظار.. وجلس في هذه الديار المقدسة أربعة أشهر تمكن من خلالها... من القضاء على 67% من مشكلته المادية.. وبقي عليه 33% من هذه المشكلة.. ويعتقد جازماً أنه سيتمكن خلال شهر رمضان (والحديث كان قبل شهر رمضان بأيام) يعتقد أن باقي مشكلته المادية ستحل في نهاية شهر رمضان.. وبعد ذلك سيقول لنا أبناء هذه الديار المقدسة - شكراً.. ومن ثم يعود إلى وطنه وهو يحمل المبالغ الكبيرة أو يكون قد حولها عن طريق البنوك إلى بلاده.. رغم كونه قدم بتأشيرة عمرة.. فأين له هذا المبلغ.. ولماذا لجأ للتسول أو السرقة أو لهما معاً حتى جمع المبالغ الكبيرة وعاد لبلاده؟!!
إن هذه الفئة التي دأبت على الحضور مع ضيوف الرحمن باسم الحج أو العمرة.. وتنصرف للإجرام سواء كان التسول أو السرقة وسلب أموال المسلمين وإزعاجهم وظلمهم... أمرها خطير وشره مستطير.. وقد انزعج الناس من أولئك السراق.. وتحدثوا عنهم بمرارة.. وتحدثت أيضاً الصحافة المحلية وكذا الصحافة العربية.. وقد تم إلقاء القبض على الكثير منهم من قبل رجال الأمن.. وكذا بعض الأجهزة الأمنية في بلاد أولئك السراق بعد عودتهم إلى ديارهم محملين بالأموال والمسروقات العينية التي ضبطتها الجمارك معهم بعد عودتهم... وكدليل مادي موثق على صحة ما ذكرت أورد فيما يلي بعض ما جاء في مقال قديم للأستاذ - عبد الله عمر الخياط - المنشور في جريدة عكاظ المصادر بعددها رقم - 10458 - وتاريخ 1-11-1415هـ تحت عنوان (مع الفجر) حيث كتب ما يلي:
نشرت الصحف المصرية أو بعضها على امتداد الفترة ما بين 12 مارس إلى 22 مارس 1995م مجموعة من الأخبار عن عصابات اللصوص الذين جاءوا باسم العمرة أو الحج ومارسوا السرقة ثم عادوا بالغنائم إلى بلادهم..
ومن ذلك:
* نشرت الأهرام بعدد يوم الاثنين 13 مارس أنه تم ضبط امرأة معها كمية من الذهب ومبلغ 14000 ريال وقالت: إنها حصيلة السرقة خلال العمرة..
* نشرت الأهرام والوفد يوم 16 مارس أنه تم ضبط عصابة لتزوير التأشيرات للنشالين.. كما نشرت الوفد بعدد 22 مارس أن النشالين يسرقون الجوازات ليضعوا عليها صورهم ليتمكنوا من السفر..
* نشرت الأهرام بعدد 16 مارس أنه تم ضبط امرأة معها 1600 دولار ومبلغ 3538 ريالاً وعملات مختلفة.. ونصف كيلو مشغولات ذهبية.. ومائة ساعة ماركات عالمية مشهورة واعترفت بأنها سرقتها خلال العمرة.
* نشرت الوفد عدد الثلاثاء 21 مارس.. أنه تم ضبط عصابة اعتادت السفر إلى الأراضي المقدسة لممارسة السرقة.. وعثر معهم على مبالغ كبيرة من حصيلة السرقة..
وقد تطرق الأستاذ - عبد الله الخياط - إلى طرح بعض التساؤلات عن مصير هذه السرقات.. وعن كيفية حصول هؤلاء المجرمين على تأشيرات العمرة أو الزيارة.. وصحيفة سوابقهم تدل على احترافهم الجريمة.. وهو ما يقضي بمنع اعطائهم الجواز أصلاً للحصول على التأشيرة.. والقنصليات السعودية سواء في مصر أو كراتشي أو ما عداهما من الدول التي يجيء إلينا منهم بعض محترفي الإجرام لا يمكن أن يكون لديها سجل بكافة أبناء تلك الدول من المجرمين.. ولكن الجهات المسؤولة هناك تعرف أصحاب السوابق ومحترفي الإجرام.. وهو ما يدفعنا لمناشدتها بالتوقف عن منح أمثال أولئك جوازات السفر التي يحصلون بموجبها على تأشيرات الحج أو الزيارة أو العمرة..
وتطرق الأستاذ - عبد الله الخياط - في آخر مقاله إلى السؤال عن مصير المسروقات.. وقد تم اكتشافها واعترف المجرمون بأنهم اختلسوها من الديار السعودية خلال أدائهم العمرة.. هل ممكن إعادتها للجهات الأمنية بالمملكة لكي تقوم هي الأخرى بدورها بالعمل على إعادة المسروقات لأصحابها بموجب البلاغات المسجلة لديها من قبل والتي قيدت الحادثة في حينه ضد مجهول؟
أقول: إن لصوص العمرة والحج.. قد اتخذوا العمرة أو الحج أو هما معاً موسم تكسب واسترزاق.. ولهذا فإنهم لم يأتوا من أجل العمرة أو الحج.. وإنما جاءوا وفي نفوسهم هدف الإجرام من سرقة وغيرها..
جاءوا لإيذاء عباد الله المسلمين في أطهر بقعة على وجه الأرض.. فهم مجرمون ينطبق في حقهم نص الآية الكريمة {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}...
لهذا يجب عدم الرحمة أوالعطف أو التساهل مع هؤلاء المجرمين.. والضرب عليهم بيد من حديد.. وتطبيق أحكام الله فيهم وبكل قوة وسرعة ليرتدع غيرهم.. لأن الجريمة في أرض الحرمين الشريفين مهما كان نوعها مضاعفة...
ولهذا فإنني أؤيد ما ذهب إليه الأستاذ - عبد الله الخياط - في تساؤلاته في مقاله.. وأضيف على ذلك بوجوب المطالبة بإعادة المسروقات التي يتم ضبطها مع أولئك السراق من المعتمرين.. وذلك عن طريق القنوات الدبلوماسية المعتادة.. وكذا إعادة المجرمين عن طريق البوليس الدولي - الإنتربول - لتتم محاكمة أولئك وتطبيق أحكام الله فيهم...
إن الحرمين الشريفين.. يفد إليهما مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين.. ولكن بعضهم لم يأت لغاية سامية.. وهذا مصداق للحديث (الركب كثير والحاج قليل)..
وفق الله حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى ما فيه الخير.. وأعانها على ما تقوم به من جهود موفقة في سبيل الحفاظ على أمن وسلامة الحرمين وأمن الحجاج والمعتمرين...
وحفظ لهذا البلد أمنه وسلامته في ظل قيادته الرشيدة...
والله حسبنا ونعم الوكيل..