طلب الرزق مما جاءت به الشرائع السماوية، وحث عليه الأنبياء والمرسلون، بل اشتغل من اشتغل منهم بالتجارة أو النجارة أو الماشية كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا كانت مهنة موسى عليه الصلاة والسلام، فطلب الرزق محمدة، والله أمر أنبياءه بذلك، وحثهم على أن يحثوا أممهم {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأكل الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأسواق} (7) سورة الفرقان. والرزق مكتوب «ويُكتب رزقه وأجله، وشقي هو أو سعيد»، فليسَ الرزق للأذكياء! أو الأقوياء، فطلب الرزق جاء به الشرع والعقل، وبذل الأسباب في ذلك مطلوب من كل إنسان، والناس في طلبه على طرفين اثنين، منهم من أتعب نهاره وأسهر ليله في طلب الرزق؛ يظن أن ذلك يجلب له الرزق، ومنهم من كسل وقعد واثاقل إلى الأرض، وقال رزقي مكتوب! وهذان الطرفان لم يوفَّقان! فإن الله أمر بأن نأخذ بالأسباب، لا أن نتكئ عليها، ونهانا عن الكسل، وحثنا على العمل، ولا بد للرزق من أسباب! والأسباب متنوعة، والمصادر متعددة، فمنا من رزقه في البيع، ومنا من رزقه في الزراعة، ومنا الموظف والصانع.. وهلم جرا. والحياة فرص، ولعل هذه الأيام أسباب لشبابنا العاطل أن يهبوا من رقدتهم، ويتركوا السهر على القنوات الفضائية، والجلوس في الاستراحات، وأن يستيقظوا من نومتهم؛ فهي فرصة سانحة، خاصة أن الدولة ممثلة في الجوازات تقوم بمسحٍ شاملٍ للوقوف على الإقامات غير النظامية، والعمال غير النظاميين، فلعل شبابنا العاطل هذه الأيام يجتهدون في طلب الرزق؛ فهي فرصة من الفرص.
أيها الشباب! اعلموا أنه لن يأكل أحدٌ رزقَ أحد، وأن الإخوة الذين سوف يسافرون إلى أوطانهم من المقيمين هذا رزقهم وهذه أرزاقهم التي كتبها الله لهم في وطننا، فينبغي لهم أن يحمدوا الله على ذلك، وألا يحزنوا؛ فهذا قدر الله لهم، ولقد غنم منهم من غنم، وغرم من غرم، فالله سبحانه وتعالى يرزق الحيتان وهي في أعماق البحار، ويرزق العصافير على ضعفها، ويحرم الأقوياء الأذكياء الأشداء لحكمة لا يعلمها إلا هو جل وعلا، فهو الرزاق ذو القوة المتين.
ومن أسباب الرزق الجالبة له:
أولاً: الاستغفار، وأن يتبع الاستغفار بالتوبة، يقول تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} الآية، وقال سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} سورة نوح (10 -12)، فجعل سبحانه من أسباب الرزق الاستغفار والتوبة.
ثانياً: تقوى الله، يقول سبحانه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْه مِنْ حيث لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُه إِنَّ اللَّه بَالِغُ أَمْرِه قَدْ جَعَلَ اللَّه لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (3) سورة الطلاق، ويقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمنواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} (96) سورة الأعراف، فجعل سبحانه تقواه من أسباب الرزق، بل أن تُرزق من حيث لا تحتسب. وكم من إنسان رزقه الله من حيث لا يحتسب، فلم يكن مصدر رزقه وظيفة أو حِرفة، وإنما جاءه الرزق من حيث لا يحتسب، وها نحن نعيش في نعمة لم نرثها من آبائنا، بل منا من أبوه فقير، أو جده فقير، فرزقه الله من حيث لا يحتسب.
ثالثاً: التوكل على الله من أسباب الرزق، وكما في الحديث: «ولو أنكم توكلتم على ربكم لرزقكم كما يرزق الطير» الحديث، فلا بد من التوكل على الله، لا أن نتوكل أو نتكل على آبائنا أو ذكائنا أو شهاداتنا أو علاقاتنا أو غير ذلك من الأسباب التي نجعلها الفاعلة أو الخالقة للرزق، فلا بد من التوكل على الله سبحانه وتعالى، وأن نفوض الأمر إليه مع الأخذ بالأسباب أو العمل بها. والسبب سبب! والخالق لهذه الأسباب هو الله سبحانه وتعالى.
رابعاً: المتابعة بين الحج والعمرة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة». والشاهد أنهما ينفيان الذنوب والفقر.
خامساً: صلة الرحم، فإن صلة الرحم مجلبة للأرزاق، لقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه». وكم من إنسان فاسق لكنه يصل رحمه، ويقيم الصلاة، فأتته الأرزاق من كل حدب وصوب. وكم من إنسان ظاهره الطاعة، لكنه قد قطع أرحامه، فشتت الله أمواله.
سادساً: الإنفاق وعدم البخل والشح، يقول تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (39) سورة سبأ. ويقول سبحانه: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّه وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (39) سورة الروم. ولا شك أن البذل والإنفاق بركة للمال، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه «أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً». فإن ذلك الذي ينفق يبارك الله له في تجارته، سواء كانت النفقة صدقات أو هدايا أو إكراماً للضيف أو غير ذلك من بذل الأموال في طرقها المشروعة أو المندوبة. وكم من إنسان أمسك يده فأمسك الله عنه الرزق فلم يبارك له في ماله.
سابعاً: تقديم الطاعات على التجارات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا إذا نُودِي لِلصَّلَاة مِن يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة، وقوله تعالى: {قُلْ مَا عِندَ اللَّه خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَة وَاللَّه خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (11) سورة الجمعة.
وإلى اللقاء.