ثمة ضوابط أساسية، بل ضرورية جداً لقياس وفرز الغث عن السمين، و(الهلوسة) عن الواقع، بين من عايش الوسط الرياضي على مدى نصف قرن -مثلاً- سواء برؤى وقناعات راسخة انطلق منها للتعاطي مع الأمور الرياضية بقدر عال من التوازن النفسي والعقلاني، أو بقدر مماثل من العنت والتطرف في القناعات والرؤى في الجانب الآخر من المعادلة.. ولم تزل كل فئة تمارس دورها انطلاقاً من نهجها الذي جُبلت عليه.
** من الواضح أن معظم الدالفين الحداثيين إلى الساحة مؤخراً إنما يشكلون الامتداد الوراثي لمن سبقوهم، وإن كان ورثة الجانب الثاني من المعادلة هم الأكثر غلبة وجلبة بفضل تكاثرهم وانتشارهم الواسع وسيطرتهم على مفاصل الكثير من الوسائل الإعلامية، فضلاً عن السيطرة على مقاليد الأمور المصيرية للشأن العام الرياضي.
** غير أن أكثر ما يلفت النظر في الآونة الأخيرة هو اتساع رقعة ميادين (البلداء) وتعدد المضامير التي يركضون فيها، إذ لم يعد مسح السبورة يفي بالغرض، فابتكروا من ضمن ما ابتكروه عامل (الحظ) كشماعة يلقون بنجاحات الآخرين جنباً إلى جنب مع فشلهم هم عليها دون خجل، ودون النظر إلى المعايير المعتبرة والمُشاهدة التي تقف خلف النجاحات، وتقف خلف الفشل؟!!.
** مثلاً : فريق يتقوقع في منطقته طوال وقت المباراة، والفريق المقابل يحاصره ويهاجمه من جميع الجهات وبكل الطرق، وعندما يكسب الفريق المسيطر يظهر مسيّر الفريق (المتقوقع) على الملأ ليقول: إن الفريق المقابل فاز علينا بالحظ، هنا قد تلتمس له العذر لسبب أو لآخر.. ولكنك لابد أن تُصاب بالدهشة وأنت تقرأ لبعض من يُصنّفون (زورا) بكُتّاب الرأي يهرولون في مضماره، ويتبنّون قناعته، بل ويبصمون عليها بطريقة تخجل منها حتى البلادة، مع أنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم (يغشّون)، وأن المتلقي يعلم أيضاً بأنهم يغشّون!!.
** ذلك أن الحظ قد يتكفل بتجيير النتيجة من خلال كرة طائشة، أو كرة ترتطم مصادفة بأي شيء فتأخذ طريقها إلى المرمى، وقد يظهر الحظ بكامل هيئته وعنفوانه، فيقف في وجه الفريق الأفضل والمسيطر والمتحكم بزمام المباراة ويمنح النتيجة للفريق المقابل كما حدث في لقاء الهلال والرائد الدوري.. أما ماعدا ذلك فهو هراء، والحديث عنه إنما ينم عن فِكر (الحضيض) وليس الحظ.
** اللهم اجعلنا من المحظوظين في كل شأن يرضيك عنا.
بل (العفو) من شيم الكرام
ارتفعت مؤخراً وتيرة اللهث بحثاً عن البطولات الخاصة والذاتية بأي شكل وبأية وسيلة دون اعتبار لما يترتب على ذلك من تداعيات، ناهيك عن التبعات؟!.
** هاكم مثلاً:
** يأتي شخص ما فيلقي بالتهم والإساءات بحق الآخرين جزافاً، عامداً متعمداً، سواء كان دافعه إلى ذلك الرغبة في إيصال رسالة ما، أو تصفية حسابات، أو تحقيق هدف معين، وبعد أن تأخذ الأمور مداها في الانتشاربين الناس، وبعد أن تسري عبر وسائل الإعلام سريان النار في الهشيم.. يتكرم الأخ بالاعتذار لمن أساء لهم في كلمة -غالباً- ما تكون مقتضبة لا تأخذ من الصدى عُشر معشار ما أخذته (بلطجته) اللفظية، بل من المؤكد أن الأكثرية من الناس الذين شهدوا على إساءاته وتهمه لم يعلموا عن ذلك الاعتذار.. ليظهر أمام القوم في صورة الشهم، الكريم، الكبير، البطل، الذي تنازل وتعطّف وتلطّف بالاعتذار.. وهنا مربط الفرس، وإن شئت فقل : هنا المصيبة.. ولعل ما حدث من رئيس نادي الرائد بحق الدكتور (عبد الله البرقان) شخصياً، هو آخر وأقرب الأمثلة وليس الحصر؟!.
** ذلك أنه لم يكن ثمة ما يدعو (المُسيء) أصلاً لكي يسيء إذا كان سيعتذر، لولا أنه يرمي إلى تحقيق بطولة (التطاول) على الآخرين في نظر من حوله من المؤيدين والمصفقين، وصولاً إلى بطولة الاعتذار في نظر (الطيبين)؟!!.
** بينما من يستحق الشكر والثناء والإشادات، هو الذي تتم الإساءة إليه بغياً وعدوانا، ثم يتقبل الاعتذار( الماسخ) سواء كان مرغماً على ذلك أو عن طيب خاطر؟!.