الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في صباح يوم الاثنين الموافق 13-2-1435هـ اتصل بي صديقٌ عزيزٌ عليّ، وقال بعد السلام، هل قرأت جريدة الجزيرة الصادرة في هذا اليوم، فقلت سأقرأها بعد ساعة -إن شاء الله- لانشغالي بموضوع خاص، وسألته ما الجديد المثير أو المؤثر فيك من الجريدة؟ فقال عظم الله أجرك وأحسن عزاءك في وفاة سعد بن فهد بن كريديس، فشعرت بصدمة وإرباك في الفكر والمشاعر فأخذت أكرر {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. ففي اليوم الثاني من بعد وفاته ذهبت إلى مسجد الملك خالد -رحمه الله- بأم الحمام بالرياض للصلاة على الفقيد سعد قبيل أذان صلاة العصر بدقائق، فشاهدت ازدحاماً شديداً من المعزين أبناءه وأسرته في المسجد حتى أقيمت الصلاة، وبقي عشرات من المعزين لم يتمكنوا من الوصول إلى إخوان وأبناء الفقيد.
وفي مساء اليوم الثالث من أيام التعزية ذهبت إلى مزرعة المرحوم -إن شاء الله- فهد بن صالح بن كريديس، حيث مقر العزاء ظناً مني بأن هذا اليوم سيكون عدد المعزين قليلاً، فوجدت المجلس الكبير غاصاً بالمعزين مع ملحقاته فتوجهت للخروج لولا أن أحد الجالسين قام من مجلسه للخروج فحللت محله وما شاهدته من كثرة المعزين يؤكد محبة الناس للشيخ سعد بن فهد بن كريديس -رحمة الله عليه- وما تتمتع به أسرة آل كريديس من سمعة طيبة ومكانة عالية في المجتمع..
كان الشيخ سعد الكريديس مشرفاً على جمعية البر بالعريجاء بالرياض منذ إنشائها، وكان شديد الحرص على الاهتمام بها وبمدها بماله ورعايته، وتأكد لي ذلك عند قيامي بزيارة له في مكتبه بالجمعية، وبحثت معه كثيراً من الأمور الإنسانية وأهداف هذه الجمعية، واطلعت على بعض منجزاتها وأعجبت بمستوى نظافة الطعام وتنظيم استقبال ما يرد إلى الجمعية وأوجه إنفاقه على الفقراء والمساكين بأسلوب حضاري وبناء، وفي إحدى زياراتي له بمنزله أطلعته على كتيب خاص بجائزة التفوق العلمي لأبنائنا وبناتنا لمختلف مراحل التعليم، فبارك هذا النهج المحفز وطلب مني عدداً من هذا الكتيب لتوزيعه على أفراد أسرته، وكرر قوله بأن أفضل السبل في الحياة طلب العلم ونشر الفضيلة.
فالشيخ سعد الكريديس لم يكتف بصلاته واهتمامه ورعايته بجمعية البر فقط، بل حرص على التواصل مع بعض العلماء والمشايخ وكبار المسؤولين ووجهاء المجتمع، ففي اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام يوجه دعوته إلى ما لا يقل عن مائة شخصية مع بيان بأسماء المدعوين من المشايخ والعلماء وكبار المسؤولين ووجهاء المجتمع والهدف من إرفاق البيان مع الدعوة ليكون حافزا على الحضور بفندق دار التوحيد (إنتركونتيننتال) ويقيم فيه حفل العشاء ويتم فيه توزيع حقائب فيها نشرات دينية وعلمية بعضها يتعلق بنشاط جمعية البر التي يديرها، ولم يكتف بهذا فكثيرا ما كان يهدي معارفه وأصدقاءه من إنتاج مزرعته للمحبة وتقوية التواصل.
فما يتصف به الشيخ سعد بن فهد الكريديس في إدارته لجمعية البر وتواصله مع بعض العلماء بصفة مستمرة وتقديم الهدايا من إنتاج مزرعته رغبة في العمل الصالح واستجابة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن تمشي مع أخ مسلم في حاجة أحب إلى الله من أن تعتكف في المسجد شهراً) حديث حسن رواه البخاري وحسّنه الألباني والله ولي التوفيق.