دعا أكاديمي متخصص في العقيدة والمذاهب المعاصرة إلى حفظ الأسرار، وعدم إفشائها لأن حفظها من خصال المؤمن ومن كمال الإيمان، كما أن إفشاء السر نشره وإظهاره، نقيض الحفظ والكتمان، وكل شيء انتشر فقد فشا، ومنه فشو الحبر في الورق الرقيق، وفشت الأنعام ترعى: انتشرت، ولذا تسمى السائمة الفاشية، وحفظ الأسرار على أهل الإيمان من كمال الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
جاء ذلك في حديث للدكتور سعود بن حمد الصقري أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم عن إفشاء الأسرار مستعرضاً فيه مفهوم السر وتعريفه، والأضرار التي يسببها إفشاء الأسرار ونحو ذلك، فقال: السر واحد الأسرار: وهو ما يكتم، والسريرة مثله، قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} أي يوم القيامة تختبر الأسرار وتعرف، وهي ما يسر في القلوب من النيات والاعتقادات وغيرها فيعرف الحسن منها من القبيح، وتقول: أسررت إلى فلان إسرارا وساررته سرارا، إذا أعلمته بسرك، وأسرار الكف الخطوط بباطنها، وفي قوله تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}، السر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه، والأخفى من السر ما حدث به المرء نفسه وأخطره بباله من غير أن يخبر به أحدا، وهذا من السر أيضا، إلا أنه أشد الأسرار خفاء، صفة كتمان السر: الأولى بمن حمل السر لغيره أن يمحوه من قلبه، وأن يوحي إلى نفسه أنه قد أمات ذلك السر حتى كأنه لم يسمع به، أو سمع به ونسيه، فذلك أدعى إلى أن يخفيه من أن يرى أنه سيبثه في فرصة آتية.
وأبان د. الصقري أن هناك عددًا من الأضرار التي قد يسببها إفشاء الأسرار منها: الأضرار النفسية والمعنوية: وذلك إن كان السر عورة يسترها أخوك على نفسه، من إثم ارتكبه، أو فعل شائن زلت قدمه فأقدم عليه، ثم استتر بستر الله تعالى. فإن كشفته عنه آلمته ألما شديدا، فاستاء وحزن، وقد تسقط شهادته وقد تسقط بذلك كرامته، ويجفوه بعض من كان يألفه، ويحقره من كان يعظمه، وقد يفسد ذلك ما بينه وبين أهله، فيكون في ذلك تحطيم الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية، قال الحليمي: في هتك ستر أصحاب القروف تخفيف أمر الفاحشة على قلب من يشاع فيه، لأنه ربما كان يخشى أن يعرف أمره فلا يرجع إلى ما قارفه أو يستتر منه. فإذا هتك ستره اجترأ وأقدم، واتخذ ما وقع منه عادة يعسر بعدها عليه النزع عنها، وهذا إضرار به.
أما الأضرار البدنية: فقد يلزمه بكشف سره حد أو عقوبة، و الأضرار المهنية: فإن المتعاملين مع أصحاب الصنائع كالطبيب والمحامي، إذا شعروا بأن أسرارهم في خطر، يحجمون عن التعامل معهم، أولا يطلعونهم بالقدر الكافي على ما يريدون الاطلاع عليه لينجحوا في مهماتهم، وبذلك يفقدون وتفقد المهنة ككل نسبة كبيرة من فرص النجاح. وهكذا المهن الأخرى حتى السائق والخادم إذا كان حافظا للأسرار التي يطلع عليها تزيد الثقة به. فإن كان على عكس ذلك فقد نسبة كبيرة من فرص العمل، وخسر غالبا ما بيده منها.
أما الأضرار المالية: فربما أفقده إفشاء السر فرصة كسب ينتظرها، أو مصلحة خطط لتحصيلها، وكم يكسب أصحاب الصناعات من الحقائق التي اكتشفوها فأدرت عليهم الأموال الطائلة، واعتبروها أسرارا مملوكة لهم، فهم يستثمرونها وينعمون بخيراتها، ويحرصون عليها كما يحرص كل منا على ما ينفعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله) وربما أدى كشف أسرار الناس المالية إلى تسلط اللصوص وأشباه اللصوص حتى يعود الغني فقيرا، وتؤول الثروات التي جمعت بالكدح الدؤوب، والعمل الشريف، إلى الأيدي الظالمة، تعبث بها يمينا وشمالا وربما لزمته بكشف سره غرامات وتكاليف مالية كان عنها في عافية.
وقال الدكتور سعود الصقري: وقد يكون في إفشاء السر خيانة للأمانة وذلك في أحوال:
أ - أن يكون بين المرء وزوجته: ففي خطبة الوداع أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا وقال «وإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله « وروى مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها) وفي رواية لمسلم «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة... الحديث» وجاء في أخبار بعض أهل الفضل أنه سئل عن حال زوجة له كان قد طلقها فتزوجت بعده، فلما سئل عنها قال «مالي ولزوجة غيري» والمراد بما يكتم هنا تفاصيل ما يقع بين الزوجين في خلوتهما.
ب - أن يكون أخوك قد طلب منك كتمان سره قبل أن يفضي إليك به فالتزمت له بذلك ـ فإن أفشيته كنت قد خنت الأمانة ونقضت العهد فكنت ظلوما جهولا شأن المنافقين الذين يظهر نفاقهم ويعلم، بمثل هذا الفعل الذميم.
ج - أن يكون أخوك قد فاتحك في أمر خاص مما شأنه أن يكتم عن الناس ولو لم يستكتمك، وخاصة إن كان يستشيرك في أمر مما ينويه أو أمر يعزم عليه فذلك أمانة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المستشار مؤتمن) ويكون كشف خبايا ذلك الحديث خيانة لتلك الأمانة.
ونقل الدكتور الصقري عن مؤلف كتاب: (نضرة النعيم) عدة مضار لإفشاء السر منها:
(1) إفشاء السر دليل الغفلة عن تفطن العقلاء والسهو عن يقظة الأذكياء كما قال الماوردي.
(2) إفشاء السر خيانة للأمانة ونقض للعهد.
(3) إفشاء السر دليل على لؤم الطبع وفساد المروءة.
(4) إفشاء السر دليل على قلة الصبر وضيق الصدر.
(5) إفشاء السر- خاصة عند الغضب - يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه.
(6) إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر.
(7) إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها يجعل كلاًّ منهما بمثابة الشيطان، ويخل بفضيلة الحياء.
(8) إفشاء السر من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
(9) إفشاء السر يفقد الثقة بين من أفشيت له بالسر والمفشي؛ لأن المفضى إليه بالسر سيعلم أن من أفشى له سيفشي عليه؛ لأن من نَمَّ لك نَمَّ عليك، ولا فرق بين الحالتين.
وفي ختام حديثه، قال أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصر بجامعة القصيم: إن العلماء نهوا عن إفشاء السر قال الحسن - رضي الله عنه -: (إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك)، وقال العباس لابنه عبدالله: إني أرى هذا الرجل - يعني عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم أجمعين - يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمساً: وذكر منها لا تفشين له سرًّا، وأقول: السر وكتمانه يزيد المحبة بين الاصدقاء والجلساء، وقال سفيان الثوري: إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه، ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيرًا وكتم سرَّك، فاصحبه.