الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تشهد أسواق ومحلات العطارة بين فترة وأخرى ظهور بعض الوصفات الشعبية ينسبها بائعوها أو مروجوها كذباً وافتراءَ إلى بعض العلماء أو الدعاة وطلبة العلم زاعمين فيها أنها علاج ناجع لبعض الأمراض الجلدية أو العضوية مستغلين ظروف المرضى الذين يشتكون من بعض الحالات المرضية المستعصية، ونظراً لخطورة مثل هذا الأمر، واستغلال بعض ضعاف النفوس للمرضى، طرحنا هذا التساؤل على عدد من أهل الرأي من ذوي الاختصاص الذين تحدثوا عن كيفية التعامل مع من يروجون لمثل هذه الوصفات ويبيعونها، ونصيحتهم للمرضى الذين يرتادون هذه الأسواق ومحلات العطارة.
مواد سامة كيميائية
في البداية، يعرب مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة نجران محسن بن سيف الحارثي عن أسفه الشديد لما يباع حاليا في أسواق العطارة وعند بعض الأرصفة من وصفات طبية شعبية لعلاج أمراض معينة، حيث إن هذه آفة خطيرة يعود ضررها على جميع أفراد المجتمع وينبغي التعامل معهم وذلك عن طريق إعداد برامج ولقاءات حوارية مع أهل الاختصاص وذلك لبيان أضرار ومخاطر هذه الوصفات وكشف زيف هؤلاء المعالجين والتحذير من التعامل معهم , وذلك عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل مع الناس وينبغي للمواطن أن يكون على حذر من هذه الأعشاب المجهولة لأنها قد تفسد عليه صحته , وأنه ينبغي للمريض بأن لا يأخذ دواء لا يعرف هو، ولا من أعطاه إياه مكوناته وألا يقبل أن يضع في جسمه أعشابا قد يكون فيها مواد سامة كيميائية، مؤكداً إن بيع وترويج هذه الوصفات بطرق غير مشروعة يعتبر تدميراً لصحة الإنسان ويجب على الجميع التنبه إلى مثل هذه الأدوية الضارة والمجهولة والتي قد تدمر الإنسان أو أي أحد من أفراد أسرته لا سيما أنه يشتريها من الشارع من مكان غير مشروع وتحضر بيد مليئة بالغش والاحتيال، ولو كانت هذه الأدوية غير مغشوشة لما بيعت في الظلام وعن طريق العطارين.
ونصح الشيخ محسن الحارثي المرضى بعدم الانقياد إلى ما يروج من أدوية مغشوشة مجهولة تضر بصحة الشخص وتسبب له آفة هو في غنى عنها وعليه مراجعة المستشفيات والمختصين الذين يقومون بتشخيص مرضه وصرف العلاج المناسب لحالته ولمرضه، مطالباً ـ في نهاية حديثة ـ المرضى وعموم الناس بأن يكونوا أشد وعياً حيال هذه الأدوية المشبوهة، وأن على مروجي تلك الأدوية بأن يتقوا الله فيما يقومون به من جمع مال سيكون له الأثر السلبي في الدنيا والآخرة وسوف ينعكس ذلك عليه وعلى أولاده بالمرض والدمار.
التدليس على الناس
وينفي فضيلة أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود ومفسر الأحلام المعروف الشيخ الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي أن يكون له أي صلة، أو علاقة من قريب أو بعيد بأي عمل تجاري يقدم في بعض محلات العطارة عن وصفة علاجية تباع في الأسواق، ذُكر بأنها تشفي من (السحر، والعين، والحسد، وبعض الأمراض)، مطالباً الجهات المختصة متابعة المحلات التي تدلس على الناس بزج الأسماء للترويج التجاري، وأهمية التقصي والتأكد من صحة ما يذكرونه ويسوقون له، كما طالب المرضى قبل الذهاب إلى بعض مدعي الرقية الشرعية، والعلاج، أو من المشعوذين الذين يتلبسون باسم الدين، أو من يستغلون الناس مادياً، التأكد من أهليتهم لذلك عن طريق ما ذكر سابقاً من هيئة كبار العلماء - حفظهم الله - حيث جعلهم - سبحانه - نبراساً يضيء لغيرهم وهم ورثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كما ثبت بالحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم :«العلماء ورثة الأنبياء، وإنهم لم يورثوا درهماً ولا ديناراً بل ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
وسال الدكتور الرومي - في ختام حديثة -، الله سبحانه وتعالى أن يرزق الجميع العلم النافع، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على ما ينال من أجلها، وقال: كما أسأله أن يشفي كل مريض، وأن يفرج عن كل مكروب ومهموم ومغموم، وأن يرزقنا التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، كما ثبت عن نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام -: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنة رسوله».
اختيار العلاج الصحيح
وتشير الدكتورة هاجر بنت أحمد الماجد الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن إلى أنه في أيام المصيبة يبحث الإنسان عن أي شيء يخرجه مما هو فيه فيرمي بوجهه هنا وهناك، وقد يستغل وضعه هذا بعض العطارين بتسويق بضائعهم بأن تلك الخلطات علاج فعال أو من شيخ معروف وذلك بأغلى الأسعار، وإن من مكملات التوكل العمل، فلابد للمريض أن يتوكل على الله ويسعى في العلاج، ويجد في البحث عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء»
وشددت على أن البحث عن العلاج أمر مطلوب مشروع، لكن على المؤمن أن يجتهد في اختيار العلاج الصحيح فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» ونصيحتي لأولئك الذين يرتادون محلات العطارة بحثاً عن خلطات للأمراض المستعصية، أن يحذروا من أولئك المسوقين الذين يدعون معرفتهم بالعلاج،وأن لديهم خلطات علاجية لا يعرف (ماهي)، ويقولون انها لشيوخ وطلبة علم فلا ينخدعوا بكلامهم، وعليهم التداوي بالقران فوالله إنه لشفاء فليزم التداوي به من كل شيء، وبما ثبت في الدين أنه شفاء من العسل والحبة السوداء، قال تعالى في سورة النحل:
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء « في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام»، ولا نغفل عن البحث عن علاج مدروس معلوم بمصداقيته عقلاً بإذن الله، كما أنصح بوضع قوانين صارمة على أولئك الذين يتقولون طمعاً في المال، حِفاظاً على الأنفس البريئة، وأوصي العطارين بتقوى الله وعدم الافتراء على الناس لكسب الأموال فإن ذلك قد يؤدي إلى إزهاق الأنفس البريئة.
وذكَّرت الدكتورة هاجر الماجد المرضى ببعض الأمور منها :
أولها :أن الشافي هو الله وحده، وما الأدوية إلا أسباب فتوكل على الله وابذل الأسباب المعروفة.
ثانياً: ألزم الدعاء، ييسر الله لك العلاج من حيث لا تعلم، فإنه لايدفع البلاء إلا الدعاء، قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة » وعليه أيضاً ألا يستعجل في الإجابة ففي الحديث «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي»
ثالثاً: أعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا.
رابعاً: الإكثار من الصدقة، وإحسان الظن بالله مهما طال البلاء فيعقوب عليه السلام لم يفقد حسن الظن بربه وقد فقد ابنيه وبصره فرد الله عليه بصره وجمعه بابنيه ولنتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني »
خامساً: أعلموا أن تلك الأيام من خير أيامكم وما الحياة الدنيا إلا تمحيص قال تعالى: {لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} وكيف لنا أن نحزن والرسول صلى الله عليه وسلم يقول « ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها»