بتقديري أن تنظيم القاعدة الذي كرس للاحتراب الداخلي في الأمة، وشوه العمل الإسلامي على مستوى العالم، لن يتردد عن القيام بأي عمل إرهابي أو ارتكاب أية جريمة إنسانية، فسجله الأسود عبر تاريخه الدموي حافل بمختلف الأعمال الإرهابية والجرائم الإنسانية.. لهذا لم أستغرب جريمته المروعة التي ارتكبها يوم الخامس من ديسمبر
2013م، في حق الأبرياء العاملين والمراجعين للمستشفى التابع لمجمع وزارة الدفاع بصنعاء اليمن، وراح ضحيتها قرابة 56 إنساناً، كل ذنبهم أنهم يعملون في هذا المستشفى، الذي لا يتخيل عاقل مهما كان دينه أو عرقه أن يكون هدفاً إرهابياً بحكم حرمة المستشفيات ودور العبادة في النزاعات المسلحة والأعمال العسكرية أياً كان نوعها.
كما لم أستغرب أن يخرج أحد قادة هذا التنظيم الإرهابي ليعلن مسؤوليته، فهذه دماء يتقربون بها إلى الله -كما يزعمون- وكما يفعلون في كل أرض يتحركون عليها، ولعل الذاكرة لازالت تحمل صوراً مفزعة لأعمالهم، التي طالت بلادنا حتى فضح الله دعوتهم ورد كيدهم ببسالة رجال أمننا الأبطال ودعم علمائنا الكرام؛ غير أني استغربت خروج أحد قادة التنظيم عبر رسالة مصورة معلناً الاعتراف بذنب الجريمة ومعتذراً عن ذلك العمل الإرهابي المروع وفق ما تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، فقلت لعل الأمر فيه رأي آخر، لهذا عدت لتفاصيل الخبر واستعرضته، فلم أجد اعتذاراً، لأن الاعتذارات أساساً تأتي للأخطاء غير المقصودة، كما لم أجد اعترافاً بتلك الجريمة الإنسانية، بقدر ما وجدت تبريراً وقحاً تلمح في ثناياه لغة التقليل من حرمة تلك الدماء المعصومة التي سالت، والأرواح البريئة التي أزهقت.
يقول قاسم الريمي القائد العسكري لـ(تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب)، في الرسالة المصورة، التي نشرها التنظيم عبر شبكة الإنترنت: (نحن هنا إذ نعترف بالخطأ والذنب نقدم اعتذارنا وتعازينا لذوي الضحايا، أننا ما أردنا ضحاياكم ولا قصدناهم، وليس من ديننا هذا ولا خلقنا)، مضيفاً: (نتحمل كامل المسؤولية عما حدث في المستشفى من دفع الديات والتعويضات والعلاج وغير ذلك. كل ما يأمرنا به شرعنا سنقوم به فنحن دعاة شريعة).
لاحظ حجم التناقض في الجزئية الأخيرة، يقول: كل ما يأمرنا به شرعنا سنقوم به فنحن دعاة شريعة.. وهل شرع الله يأمر بقتل الناس بهذه الطريقة؟، وإذا كان يعلن عن تحمل المسؤولية، فهل تطبيق شرع الله في القتلة يكون بدفع الديات والتعويض والعلاج لذوي الضحايا فقط؟.. أليس هناك قصاص بحق هؤلاء القتلة، وبحق من حرضهم وبحق من مولهم وساندهم؟، والقصاص حياة للناس كما في القرآن الكريم. أليس هذا التفجير وغيره من أعمال القاعدة يعتبر إفساداً في الأرض يستلزم تطبيق حد الحرابة؟.
والكارثة أن هذا القائد الإرهابي يزعم أن التنظيم لم يرد الضحايا ولا قصدهم!! ولا تدري ماذا كان يتوقع أن يجد في مستشفى حتى لو كان يتبع مجمعاً عسكرياً. ناهيك عن الرفض التام للمبدأ الرئيس الذي يقوم عليه هذا التنظيم في كل أعماله وعملياته، وهو نهج قتل الناس وتفجير الممتلكات، فهو إرهاب يمارسه هذا التنظيم الدموي منذ إعلانه الشهير عام 1998م.
التبرير الوقح الذي قاله الريمي لا يقف عند عدم قصدهم بقتل الضحايا، إنما في الباطل الذي يريد أن يحوله إلى حق في تلك الرسالة، عندما يقول إن أحد المهاجمين لم يلتزم بالتوجيهات، رغم أنه في موضع آخر من رسالته المصورة يعترف أن أي مركز عسكري هو هدف للقاعدة، لأن المراكز العسكرية بزعمه هي غرفة عمليات طائرات بدون طيار. وكأنه بذلك يعترف أنه يفجر الأبرياء قبل أن تقصفهم تلك الطائرة، فعن أي شرع أو شريعة يتحدث؟. لهذا فالناظر لكل أعمال تنظيم القاعدة يجد أن المتضرر الأول هو الإسلام، والضحية هم المسلمون، لاحظ ماذا جرّ هذا التنظيم على أفغانستان وباكستان، وماذا فعل من احتراب في العراق وسوريا، وماذا أحدث من فتنة في الصومال ومالي، وماذا يفعل الآن في اليمن، ثم تأمل وتساءل هل أطلق هذا التنظيم رصاصة واحدة على إسرائيل أو كان قلقاً لإيران قطعاً لا.