أتابع ما ينشر في (الجزيرة) من مواضيع عن البريد وأقول إن الغزو الإلكتروني زائر مرحَّب به في كل مجالات الحياة، وأصبح مثل الدواء للداء للصغار والكبار رجالاً ونساء. قبل نحو ثلاثة عقود من الآن لم يكن لأي بشر أن يصدق بسرعة تقنيات الوقت الحاضر ودقة معلوماتها وشمولية خدماتها. وعلى سبيل المثال الجوال، ذلك الصندوق المعدني الصغير بحجمه والكبير بفوائده؛ لأنه يختزن بداخله أسلوباً سحرياً لتمرير المكالمات التلفونية وإيصال مقاطع الصور وحفظ الأسماء والعناوين وإرسال الرسائل لأي موقع على الكرة الأرضية، كما أن خدمات ذلك الجهاز لا تقف عند ذلك الحد؛ فهو مفيد لحجوزات الطيران والتعاملات البنكية وألعاب التسلية.. فلو أن البشر بأعمار ما بين الخمسين والستين عاماً من العمر تذكروا كيف كانت خدمة البريد الذي ينقل الرسائل، ويأخذ أوقاتاً متفاوتة، وبعضها يتعرض للضياع، وكانت معظم التعاملات الخدمية مثل فواتير الهاتف والكهرباء والماء والرسائل التي ترسل بين العملاء كانت تأتي عن طريق البريد الذي قام بدوره جهاز الجوال حالياً وغطى تلك الخدمات بكل دقة ومهنية وسرعات عالية.
واستناداً إلى ما أشرت إليه من الخدمات التجارية والشخصية أود أن أتساءل ويتساءل معي شريحة كبيرة من الناس عن صناديق البريد التي قامت هيئة البريد السعودي بتعليقها على واجهات البنايات والمنازل بأعداد لا يمكن حصرها، فلو قدر أن ما وزع في مدينة الرياض وحدها ستمائة ألف، وثمن الصندوق الواحد مائة ريال، فتلك الكلفة ستون مليون ريال من خزينة الدولة تم إنفاقها على ذلك المشروع.
عزيزي القارئ الكريم، لن أكون مجحفاً في وصف تلك الصناديق التي مضى على تعليقها أكثر من ثلاث سنوات، وهي عبارة عن قطع من الصفيح، عمل لها تصاميم غير مدروسة، ومن قام على فكرة تنفيذها لم يفكر أبداً أنها مجدية أم غير مجدية..
وبرأيي، فإنه حتى لو كان هناك فائدة مرجوة من تلك الخدمات فلماذا تم تأجيلها؟ ولماذا لم يراعَ في تصاميمها أن تكون أكثر جاذبية، وتعطي فعلاً شكلاً يوحي بأنها صناديق بريد؟
ومن لم يصدق فما عليه إلا أن يلقي على بعضها نظرة واحدة؛ ليثبت أمامه أنها لم تستخدم ولا مرة.
النظر في سلبيات ذلك المشروع العشوائي متروك لمعالي رئيس هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)؛ فمعاليه والعاملون معه خير حكم على أي مشروع يحكم عليه بالفشل من بداية تاريخ تأسيسه. أملي أن أرى مشروعاً آخر اسمه مشروع إزالة صناديق البريد؛ لأن بقاءها - للأسف - يمثل تشويهاً للحيطان التي عُلقت عليها.
وبالله التوفيق.