سألني أحد الأصدقاء لو تهيأت لك الفرصة وخُيّرت بين توطيد علاقتك بالوزير أو بمدير مكتبه، وعليك أن تختار أحدهما من ستفضل؟ ولمن ستتقرب؟ سؤال عميق من صديقي الذي لا تنقصه الحكمة ولا العقل الراجح، كما يتحلّى بما يكفيه من “اللكاعة” كما نسميها بلهجتنا الدارجة، وربما تسمّى في اللهجة المصرية “حداقة”، وهو ممن يصنّفون اجتماعياً بخبراء أكل الكتف!
وآكلو “أكتاف” أصحاب المعالي، يعرفون جيداً أنّ المدخل لقلب وعقل المسؤول لا يمكن أن يتم دون الاستحواذ على عقل وقلب سعادة مدير المكتب، ولا يمكن لكائن من كان أن يخترق الجموع المحيطة بـ”معاليه” دون أن يأذن رئيس المحيطين!
تقف مشدوهاً وأنت محفوف برائحة قهوة الزعفران وروائح دهن العود وسحائب البخور، أمامك سكرتير تظن بأن ليس بينه وبين المسؤول حجاب، وتكتشف بأنّ السكرتير فوقه مدير والمدير فوقه زعيم الحاشية “مدير عام المكتب” لقب سحري، يخفي شخصية تتمسكن أمام الرئيس وتتمكن أمام صاحب الحاجة، والعصا السحرية التي بين يديه، عصا معاليه، والقلم الذي يكتب به قلم معاليه.
وأنت تتهيأ للدخول على معاليه، تتوقع بأنك ستكون أمام شخصية أسطورية، إنسان فوق العادة، وتكتشف بعد أن تراه، بأنه إنسان بسيط، ويعتبر المسؤولية عبئاً، ويلاطفك ويستمع منك، ولا يتعالى أو يتكبر! أين الشخصية المتمكنة، المهيمنة، المسيطرة؟؟ ليس هذا الرجل الطيب الذي يضعون الحواجز أمام زواره... بل شخص آخر يجلس في المكتب المجاور يعتقد بأنّ المسؤول الرفيع إذا نزل عن العرش الخيالي الذي وضعه فيه أمام الناس، سيخسر الكثير، وسيفقد سطوته وأهميته وهيلمانه!
ونسأل الآن عن دور مدير المكتب؟ وما المهام التي يتوجب عليه القيام بها؟
مدير المكتب هو المنظم الأول لعمل المسؤول، وممثله الشخصي، والشخص الذي يأتمنه على أسرار العمل، وهو الواجهة التي يجب أن يختارها المسؤول بعناية فائقة، حتى لا يأتي لهذا الموقع من يستغل اسم المسؤول في ما لا يرتضيه، كما أنه القادر على زيادة التواصل بين المسؤول والناس، وبيده أيضاً أن يقطعه.
ومن أراد النجاح من المسؤولين، عليه اختيار “القوي الأمين” الذي يحرص على تقديم عمل منظم يعين من خلاله المسؤول، ويرتب له الأولويات، حتى يتمكن المسؤول من رسم الاستراتيجيات السليمة، والاطلاع على كل صغيرة وكبيرة في القطاع الذي يتولاه.
لا أعمم السلوك السلبي على الجميع، بل هناك نماذج رائعة من مديري المكاتب والمحيطين بالمسؤولين، وهم أكثر من أصحاب الممارسات السلبية، ويساهمون بشكل فعال في تحسين صورة المسؤول، وفي تقريبه من الناس، وفي معاونة أصحاب الحاجات وعدم الاستهانة بهم، ومساعدتهم قدر المستطاع.
ولكن القلة المؤثرة من مديري المكاتب، لا يمكن تجاهل سلبياتها التي تؤثر سلبياً، على التواصل مع الناس، وهو ما يجعل الوزير أو المسؤول في موقف محرج، خصوصاً إذا رأينا انفتاح الأمراء الكبار من الأسرة المالكة على المواطنين وأصحاب الحاجات، فهذه سياسة الدولة منذ تأسيسها، والملك الصالح عبد الله يؤكد دائماً على فتح الصدور قبل الأبواب لكل صاحب حاجة، ونرى أيضاً الاستقبال المستمر لولي العهد الأمير سلمان للمواطنين في قصره أسبوعياً، وكذلك النائب الثاني الأمير مقرن بن عبد العزيز، وأمراء المناطق.
إذاً يضع الحاجب رئيسه في مأزق، وهو يعتقد بأنه يحافظ على “البرستيج” ولا يعلم بأنّ العمل والجهد والجد ليس في ترسيخ رفعة المنصب بل في خدمة المواطن .. وإذا كان مدير المكتب حريص على استمرارية رئيسه يتوجب عليه فتح الأبواب المؤصدة، والتعامل مع الجميع بأدب وأخلاق، لأنّ هذا مقياس الرضا على من يتولى المسؤولية،، وعليه هو ورئيسه أن يتذكرا ما قاله الملك الصالح عبد الله: أنا خادم للشعب.
وعليهما أيضاً تذكرا الوصايا المستمرة لخادم الحرمين الشريفين وآخرها في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بمناسبة الميزانية.. عندما قال حفظه الله: قابلوا شعبكم وكأنهم أنا.
سعادة مدير مكتب معاليه، لا تضر رئيسك بسوء تصرفك فالملك يرى ويسمع ولا يقبل بالتخاذل أو التهاون أو الاستخفاف بالمواطن.
عن قرب:
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق إن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه.