أدانت المحكمة الجزائية أحد الأشخاص الذين يجمعون تبرعات ويرسلونها لجهات خارجية، وحكمت عليه بالسجن عشرين عاماً وتغريمه خمسة ملايين ريال، ونبهت المحكمة المواطنين إلى ضرورة «أخذ الحيطة والتثبّت عند إخراج صدقاتهم والتأكد من أنها تذهب لمصارفها المأمونة والمستحقة».
أفهم من هذا التنبيه الموجّه للمواطنين بأخذ الحيطة والحذر أن المتبرعين هم مواطنون سعوديون وليسوا من الأشخاص الوافدين المقيمين بالمملكة. وهذا أمر يدعو للاستغراب لأن الشخص المتهم الذي حكمت عليه المحكمة بالسجن والغرامة يحمل الجنسية اليمنية والجهة المستفيدة من التبرعات هم الحوثيون في اليمن!!
ترى هل بلغت الطيبة أو السذاجة - سمها ما شئت- ببعض المواطنين أن يتبرع بالمال للحوثيين دون أن يتثبّت عن الجهة المستفيدة بالرغم من كل التحذيرات والتنبيهات التي تصدر عن الجهات الأمنية في المملكة!؟ هل هؤلاء المواطنون ضحية خداع وتضليل من الشخص الذي كان يجمع التبرعات أم أنهم - وهذا مستبعد بالطبع- متواطئون مع هذا الشخص ومؤيّدون للحوثيين؟!
أسئلة كثيرة محيرة لا تنتهي إذا كان المتبرعون هم مواطنين سعوديين. أما إذا كانوا من نفس جنسية المتهم وكانوا من المتعاطفين مع الحوثيين فالأمر عندئذ يصبح خطيراً جداً. نحن لن نستطيع أن نتحكم بمشاعر وميول الآخرين، ولكن لا توجد دولة واحدة في العالم تقبل أن تعمل بها فئات تتبرع بالمال لجهات خارجية معادية، وليس سراً موقف الحوثيين من هذه البلاد.
عمليات جمع المال من أجل غايات مبهمة غامضة تغلف بالنبل والإحسان هي من بقايا زمن سابق عندما كان بوسع أي شخص الوقوف أمام المسجد والادعاء أنه يجمع تبرعات للمجاهدين أو لفقراء المسلمين أو لجمعيات تحفيظ القرآن وبناء المساجد ثم نكتشف بعد ذلك أن المال كان يستخدم لغايات أخرى، بل وأحياناً يذهب مباشرة إلى جيوب جامعي التبرعات المزعومين. والمفروض، الآن بعد كل تلك التجارب المريرة، أن الصورة قد اتضحت لكل من يريد التبرع، وقد تم إيجاد القنوات البديلة وهي الجمعيات والهيئات ذات الصفة القانونية الواضحة سواء جمعيات البر التي تنفق ما تجمعه من تبرعات على المحتاجين في الداخل أو تلك التي تصرفها في الخارج وفق ترتيبات واضحة.
في كل الأحوال، يجب أن لا تنحرف عمليات جمع التبرعات عن مسارها الخيري وتصبح وسيلة هدم، سواء ذهبت للحوثيين كما في الحالة المشار إليها، أو إلى غايات أخرى غير سليمة بما في ذلك عمليات الاحتيال الشخصي. ويجب أن نتأكد دائماً، قبل أن نتبرع، من أن لدينا معلومات كافية عن الجهة المستفيدة وألاَّ نتسرع في تصديق كل من يدعي أنه فاعل خير يجمع التبرعات من أجل غرض نبيل.