الطريق من الرياض إلى القصيم يمتد طويلاً عبر السهول والهضاب، ويزدان بالقرى والبلدات، التي تتفاوت قربًا وبعدًا عن ذلك الطريق، سارت بنا الحافلة في أجواء أخوية ماتعة، حتى وصلنا إلى «عودة سدير»، إحدى قرى إقليم سدير التابعة لمحافظة المجمعة، حيث تشغل مساحة واسعة من وادي سدير في السفوح الشرقية من جبال طويق، حيث تضم «عودة سدير» أحياءَ ومدناً ومعالمَ تاريخية.
استهلت الرحلة إلى القرية التراثية التي زيّنت بوابتها بشموخ ماضٍ عريق، وبترميم احتفظ بعبق التراث، وكانت البداية في البيوت التي عني مُلاكها بترميمها؛ لتكون مقصدًا للزوار، ومراحا للنفوس، ولتكون معلمًا بارزًا في إحياء التراث، فدخلنا بيت الضويحي التاريخي، الذي ينسب إلى الأخوين ناصر وعبدالعزيز الضويحي، وهو يحتوي على مجموعة من قطع تراثية كانت تستخدم في الماضي القريب، كالمنحاز لدق الحبوب، والرحى لطحنها، والقربة, والسواني (المحالة والغرب) للسقي، وأداة الوزن التي تعرف بـ«القفان»، والوجار، والكمر، والجصة، وبعض الصناديق القديمة التي تُحفظ فيها الملابس، وبعضها قد مضى عليه أكثر من خمسة وتسعين عامًا.
وأما ركن شعراء العودة ففيه صور تاريخية لها، وبعض الصحف القديمة، وجهاز لتشغيل الأسطوانات (الجراموفون)، ومذياع قديم، وطاحونة قهوة.
ثمّ انتقلنا إلى ديوانية محمد أبو حيمد، التي أنشئت لذكرى رجل طيّب عرف بالكرم ولطف المعاملة، فكانت داره مشرعة للضيوف. وفيها كثير من المقتنيات الأثرية، كأدوات السواني، والزبيل، والصاع، والمحراث، والصميل، والرحى، والوجار، والمنخل، وفيها ركن لكتب ألفها أدباء العودة، ومعرض للصور. وأكثر ما يميّز القرية التراثية متحف محمد العيسى الأثري الرائع، الذي افتتح عام 1434هـ، فهو يزخر بكثير من القطع الأثرية النادرة، ومنها مصحف لا يتجاوز طوله 3 سم، وبعض الأدوات الزراعية والمنزلية، ومجموعة من العملات السعودية والعربية القديمة، وعدد من الطوابع البريدية، وبعض الأجهزة القديمة، كالمذياع وأجهزة التسجيل (الكاسيت)، وبعض الوثائق، وحلي النساء وزينتهن.
وفي باحة المنطقة المركزية من القرية، التي تسمى بـ»الحوش»، ينتشر عدد من الدكاكين، وتتوسطها منارة شاهقة الارتفاع.
وفي أثناء التجوال لحظتُ ضيق الأزقة بين البيوت؛ ولعل ذلك ناشئ من تقارب الأهالي، ودفء العلاقات فيما بينهم.ويحيط بالقرية أربعة أسوار، أحدها السور المحيط بالبلدة والثلاثة الباقية تحيط بالبساتين والنخيل.
لقد سرّني من خلال مشاهداتي حرص أهالي المنطقة على تراثهم القديم، واهتمامهم الواضح بربط أبنائهم بماضيهم المشرق. كما أعجبتني وتيرة العمل الدائبة لإعادة تأهيل بعض البيوت والمنازل الأخرى، وتأهيل القرية المستمر؛ لتصبح منتجعًا سياحيًا يحتضن المهرجانات التراثية.
إن الحفاظ على القرية التراثية هو حفاظ على تاريخ «عودة سدير» وتوثيق له، وهو حلقة من حلقات الحفاظ على تراث الوطن وتاريخه وحضارته. لقد كانت رحلة شائقة وماتعة، ضمت إلى الاستمتاع نشوة التاريخ واستنشاق عبيره.