عطفاً على مقال للأستاذ سلمان بن محمد العُمري المنشور في عدد الصحيفة (15044) يوم الجمعة 3-2-1434هـ حول أخذ الأجر على الشفاعة والذي تناول فيه أخذ نسبة من التبرع من قِبل الوسيط في الأعمال الخيرية.
بداية حين نتناول هذه المسألة فنحن نتناولها مع ثقتنا بالقائمين على الأعمال الخيرية وأمانتهم، ونحن أيضاً نحسبهم لا يقدمون على مثل ذلك إلا بعد استفتاء مَنْ هو أهل للفتوى، وفي دراسة ميدانية كنت اطلعت عليها سابقاً أن 94% من الجمعيات لا يستخدم أسلوب النسبة، وهي في كل الأحوال لا تُعد خيانة ولا اختلاساً ما دامت ضمن نظام للمؤسسة وقامت على فتوى معتبرة، ولا سيما عند المقارنة باختلاسات أخرى بملايين الريالات في بعض القطاعات!.
لكننا أيضاً نراها مسألة فقهية جديرة بالتأمل وإعادة النظر حتى مع وجود فتاوى تبيح ذلك، ولا سيما أن مثل هذه الظاهرة مرشحة لشيوعها نظراً لحاجة المجال الخيري للدعم، وحاجة القائمين عليه لتشجيع الوسطاء في تسويق المشاريع الخيرية، بَيْد أن حبنا لهم يقتضي منا تنبيههم إلى التحري في مشروعية عملهم وهم من يثق المجتمع فيهم ويأتمنهم.
ويجب التأكد من أن الفتاوى التي تبيح ذلك إن وجدت من عالم مُعتبر، فينبغي تنزيلها على الوجه الصحيح الذي هي عليه، فلا يصح اعتبارها قاعد مطردة في كل وساطة خيرية، ولا يصح اعتبارها أيضاً لكل موظف في الجمعية حتى بلغنا أن بعض مديري الجمعيات مع تقاضيه راتباً يرى حقاً له في نسبة من كل تبرع.
وقد تأملت أخذ النسبة، فألفيت فيها إشكالات كثيرة، منها:
1 - بعض من يرى أخذ النسبة أو يتساهل فيها يقيسها على أخذ العاملين من الزكاة كما في نص الآية، وأرى أن علينا أن نفصل بين أخذ النسبة لجمع الزكاة وبين أخذها لجمع التبرعات سوى الزكاة وثم فروق بين المسألتين، مع أن الزكاة في الأصل يأخذ منها العاملون بحسب ما يقدّر لهم الإمام وليس بحسب نسبة من أموال الزكاة التي يجبونها، وهي أيضاً - إن صحت - لا تجتمع مع الراتب، بل هي أجر على عمله.
وهذا يُحتم ضرورة تأصيل التبرع، وهل يُقاس على الزكاة ولا سيما في هذه المسألة أم لا؟
2 - في معظم الأحوال، فالمتبرع لا يعلم بأن الوسيط له نسبة من تبرعه وإذا كان لديه علم بذلك، فربما أحجم أو قصر تبرعه على جزء أو شكل معين، وإذا شاع لدى المتبرعين أخذ النسبة من تبرعاتهم فقد يؤثر سلباً على التفاعل مع التبرعات، ولو قمنا باستطلاع الرأي لدى المتبرعين لتبين لنا ذلك.
والقياس على الزكاة قياس مع الفارق كما تقدم إذ الزكاة واجبة، فهو سيخرجها لا محالة بخلاف التبرع.
3 - حين يعرض الوسيط على المتبرع مشروعاً خيرياً، فيعلم بأن للوسيط نسبة منه فمن المتوقع أن تهتز لديه المصداقية في أهمية هذا المشروع لشعوره باحتمال المبالغة في أهميته وجدواه بل وحتى قدر تكاليفه.
4 - في حالات كثيرة يكون الوسيط المباشر ضمن سلسلة وصلت إلى المتبرع فلمن تكون النسبة؟ وهل في الجمعيات التي تأخذ بهذا المبدأ ضبط لذلك؟ أم أن الوسيط المباشر فقط هو الذي سيتأثر بهذه النسبة.
5 - لمعترض أن يقول: إن النسبة في أصلها حتى في حالة الزكاة لم يكن معمولاً بها مطلقاً في القرون المفضلة، بل ربما إلى عهد قريب مع دعاء الحاجة إليها، فهي أمر محدث ليس هناك من الأسباب ما يعتبر جديداً في اعتباره.
أخيراً: فإنني هنا لا أقرر رأياً، بل أدعو الهيئات العلمية والمجامع الفقهية أن تدرج هذه المسألة ضمن المسائل التي تتناولها بالبحث واتخاذ قرار حيالها، آخذة بالاعتبار جميع ما يحف بها من سلبيات أو إيجابيات، وعلاقة ذلك بأخذ الأجر على الشفاعة، كما أشار الأستاذ سلمان في مقاله، وأن يُشبع الباحثون دراساتهم الفقهية بجانب من الدراسات الميدانية حول عمل الجمعيات وغيرها في هذا الشأن، وتقييم التجربة بتجرد وإنصاف آخذين بالاعتبار موقف المتبرعين من اقتطاع النسبة.