مع سهولة هذا السُّؤال ظاهرياً إلا أنه في الحقيقة سؤال في منتهى الأهمِّيَّة بمكان فالإجابة عليه يحتاج إلى همَّة ونشاط فقد يسأل المرء نفسه مراراً وتكراراً: هل يستطيع أن يحقق أحلامه وأمانيه بهذه العبارات التي نسمعها كثيراً على ألسنة البشر فإننا نريد أن نتأكد من تحقيق هذه الأمور: هل هي بالقول أم بالفعل عندما يركز المرء في أعماله على العزيمة والإصرار بشكل عام ولأهدافه بشكل خاصِّ يجد أنه بعد ذلك حقق بعض الشيء بوجود القناعة التامة وإيمانه بقدراته العمليَّة والفكريَّة التي تساعده على البذل والعطاء فعندما أتحدث عن إنسان يملك هذه الأسس في حياته العمليَّة العزيمة والإصرار والكفاح والهمَّة والنشاط في إبراز هوايته التي تراوده منذ الأزل فهي ذو شجون؛ فقد استطاع بعد توفيق الله وكرمه أن يجد لهذه الهواية مخرجاً في تحقيقها على السطح والاستفادة من هذه الخامات المهدرة في مزارعنا، وخاصَّة مخلفات أشجار النخيل - إلى جعلها مواد يستفاد منها سواء على نطاق آثات المنازل أو الأعمال التراثية القديمة أو جلسات تراثيَّة راقية تعمل على أمور مختلفة الأحجام والأشكال - حتى أعد لنفسه موقعاً إلكترونيا يعرض كافة أنشطته وأعماله التي قام بها من هذه الخامات المهدرة بطرق عدة، وعلى أصول فنية عالية التصميم والإبداع الفني والفكري - فقد جنى ما زرعه منذ سنوات طوال.... وتحقق الأمل والطموح والإصرار والإبداع والتصميم حتى جعل كافة الأمور التي تقف سداً منيعاً في طريقة تذوب وتضمحل رويداً رويداً حتى أصبحت سهلة المنال يستطيع المرء اجتيازها بكل يسر وسهولة - كما قال الشاعر الحكيم:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
لقد أجاد مهندس الأعمال التُّراثيَّة الأستاذ الفاضل فهد بن حسن الجبهان من محافظة الدِّرعيَّة في كافة أعماله التُّراثيَّة مسكوناً بالتعب والمعاناة والإصرار وقوة العزيمة والإبداع والامتناع في أعماله التراثية التي نشاهدها على السطح، إلا أنه يمتاز بوطنيته العالية وإبداعه الحقيقي إنه إنسانٌ مكافح واع يسعى بكل ما أعطي من إمكانيات متاحة لديه موقنا أن الحياة العريضة إنجاز ممتد وممتلئة بتحديات الإشارة والعبارة والأجواء والأنواء والعواصف والعواطف.
مما دفعني الحماس والرغبة لزِّيارة معمله المتواضع فتعرفت عن قرب عن أعماله التراثية المتعددة، حيث إنها تذكر الاجيال القادمة والحاضرة بها حتى تتوسع لديهم دائرة الاهتمام بهذه الأعمال التراثية التي تمتاز (بالإبداع الفني والفكري) إلى جانب الحفاظ على معالم البيئة المحلِّية بما تحمله من دروس وتجارب، ومن أسمى أهداف هذه الأعمال التأكيد على هويتنا العربية والإسلامية وتأصيل موروثنا الوطني بشتى جوانبه ومحاولة الإبقاء والمحافظة عليه ليبقى ماثلاً للأجيال القادمة - ورأيت منه حسن الاستقبال وكرم الضيافة يبهرك بسعة اطلاعه وأفكاره المستقبلية، ويشدك بحديثه واهتمامه بإعماله التراثية، ووجدته يملك أفكاراً وتصاميم عالية مأمولة من الإتقان والجودة.
مما تهيئه أن يكون مرجعاً بحق ومعينا لا ينضب في إيجاد الأعمال التراثية. لقد سعدت كثيراً عندما رأيت أعماله التراثية عبر موقعه الإلكتروني كنت أتابعها وأراقبها جيداً وأشاهدها بإعجاب وتأمل وتفكر عما تمتاز به من اتقان وإبداع في التصميم ودقَّة في الإخراج.
فقد بذل جهداً كبيراً من أجل أن يصل إلى أعلى الجبل بجهوده الذاتية وإصراره الذي لا يعرف اليأس أو الملل حتى حقق ما يتمناه على الأرض، وحصل على سمعة كبيرة في أوساط مجتمعه رغم عدم تفرغه لهذه الأعمال؛ فهو موظف ومسؤول عن كثير من الأعمال والمهام الاجتماعية؛ سواء للأسرة أو العائلة أو للوطن، فإنني أهنئه على كفاحه وعلى تحديه كافة الصعاب التي اعترضت طريقه في إنشاء معمله التقليدي الذي يديره بكل جد وإخلاص، ويجمع الخامات وينسقها ويُعدُّها ويرتبها ويجعلها صالحة للعمل، مما جعل أعماله تطفو على السطح، وأصبح الأمر لديه مهما في إيجاد أدوات التطوير والإبداع حتى تكتمل عوامل الانجاز بوقت قصير وعمل دقيق ينافس الأعمال المستوردة إلينا؛ فالمرء هو المرء في أي مكان من أقطار المعمورة.
وفي ختام هذا المقال، أهنئ من شجعه وأشعل ضوء الحماس والهمة فيه حتى استطاع أن يشق طريقه ليكتمل مشواره الفني والإبداعي والفكري، وقد قال الإمام الحبر ابن حزم رحمه الله تعالى.» لَّذَّة العاقل بتميزه، و لَّذَّة العالم بعلمه و لَّذَّة الحكيم بحكمته.. لَّذَّة المجتهد لله عزَّ وجلَّ باجتهاده أعظم من لَّذَّة الأكل بأكله، والشارب بشربه، والواطئ بوطئه، والكاسب بكسبه واللاعب بلعبه، والآمر بأمره...» وبرهان ذلك أن الحكيم والعالم والعاقل والعامل ومن ذكرنا واجدون سائر اللذات التي سمَّينا كما يجدها المنهمك فيها ويُحسونها كما يحسها المقبل عليها، وقد تركوها وأعرضوا عنها وآثروا طلب الفضائل عليها.. وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما، لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر. وقد قيل وعندما يفقد المرء الأمل.. يفقد الرغبة وعندما يفقد الرغبة.. يفقد الرؤية وعندما يفقد الرؤية... يفقد الحياة ويعيش تائها في أسراب الألم.
فالعمل من دون أمل يُؤدِّي إلى ضياع العمل وأمل من دون عمل يُؤدِّي إلى خيبة أمل فسعادة الحياة يجدها المرء مع الأمل وروعة الأمل يجدها في العمل.
وكلما تقترن الهمة بالعزيمة والإصرار والحماس تتجدد عوامل الجذب والدفاع بفضل الله أولاً ثم بفضل تفاعل الغايات،كما قال الشاعر الحكيم:
امطتك همتك العزيمة فاركب
لا تلقين عصاك دون المطلب
ما بال ذي النظر الصحيح تقلبت
في عينه الدنيا ولم يتقلب
في غياب الهمم العالية يتوارى الطموح والإصرار والعزيمة واستشراق المستقبل، ويختفي باختفاء ذلك بمفهوم الثقة بالنفس والاعتماد عليها مما يفسح المجال للانكفاء إلى الداخل ويضيق الأفق وتتجدد الاتكالية إلى الغير، ومن علت همته طالت همومه وجعلته دائماً يتطلع إلى الأمام بكل عزيمة وإصرار.
كما قال الشاعر الحكيم:
ما الجود عن كثرة الأموال والنشب
ولا المفاخر إرث عن أب فأب
لكنها همم أدت إلى سؤدد
وكل ذلك طبع غير مكتسب
فرب ذي حسب أودت صنايعه به
وقد شرفت وغدا بلا حسب
وأبيات تقول:
وقائلة خل الهموم ولا تقف
بوجه مجد أو بوجه مزاحم
فقلت إذاً ضيعت همي وهمتي
فما الفرق ما بيني وبين البهائم؟
والله الموفق والمعين.