نشأت اللغة العربية في جزيرة العرب، ونزل بها القرآن الكريم، وقد اهتم المسلمون في عصور مبكرة بها، ودراستها من شتى نواحيها، ووضعوا الأصول لعلمية التي تضبط قواعدها، وترسم الطريق لأساليبها وصيانة كيانها، وتشير معظم الروايات حول نشأة النحو إلى أن با الأسود الدؤلي هو أول من وضع أصول القواعد النحوية بإشارة من الخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعد أن تسرب اللحن إلى الألسنة، وأن مصطلح النحو جاء من قول علي لأبي الأسود الدؤلي «يقسم الكلام إلى ثلاثة أقسام اسم وفعل وحرف» والنحو يعنى بالإعراب كما يعنى بالمعنى- وقد اهتم العلماء بناحية النحو لضبط اللسان، ولقد اتسع صدر اللغة العربية لكل جديد من الكلمات الذي استدعاه التطور الفكري والعلمي، فأدخلت مصطلحات، ونشأت عبارات سارت في نطاق الأصول العربية مما اقتضته الظروف، وهذا يدل على حيوية اللغة في ميادين الحياة حيث نرى اهتمام اللغويين بألفاظ الحضارة ومصطلحات العلوم والفنون والآداب حيث إن اللغة من أهم صيغ الحضارة.
لقد اهتم أسلافنا بدراسة النحو وإبراز أهميته ومكانته، ومدى الحاجة إليه، وأوضحوا غايته ودوره في التعبير السليم، ولذا ينبغي الاهتمام بتحقيق أهداف تدريس النحو في مراحل التعليم العام.
ويقول اللغوي ابن قتيبة: «إن الإعراب جعله الله وشياً لكلام اللغة العربية وحلية لنظامها»، واستعرض ابن خلدون في مقدمته أن أركان علوم اللسان أربعة، وهي: اللغة والنحو والبيان والأدب، وأهمها النحو إذ يتضح به أصول المقاصد بالدلالة، فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر، ومازالت الحاجة ماسة لبذل المزيد من المحاولات والجهود لتيسير القواعد النحوية، والتعرف على أسباب ضعف الطلاب، ومن ثم معالجة ذلك.
إن علينا أن نهتم باللغة العربية وقواعدها، وأن نسعى السعي الجاد الصادق للحفاظ وللرقي والاهتمام باللغة العربية ودفعها إلى الأمام، وتمكين العربية من إدراك شأوها واللغات الحية من حيث التعبير الصحيح، وما استجد واكتشف واخترع في شتى الميادين -والانفتاح على العالم للاستفادة من معطيات الحضارات ومنجزات العلوم، فهي لغة بناءة ثرية مبدعة قادرة على تقريب أي علم أجنبي، وكذا المصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة- وما أكثر جوانب لغتنا، وأخصب نواحيها تتجلى فيها الصفات المشرقة، والعناصر اللامعة، ولقد شرفها الله بقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (سورة الشعراء 192-195)، ويقول الإمان ابن تيمية -رحمه الله-: (إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغاً عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، وصار معرفته من الدين). حقق الله لهذه اللغة الخير والبقاء والخلود والازدهار، وأن تصبح لغة العلم والحضارة، والبحث العلمي، والتدريس في الجامعات، فلها التجربة العلمية، والأدوار التاريخية المجيدة، والامتداد اللغوي العريض، حيث كانت متسعة للعلوم النظرية والتجريبية، فمزيداً من المحافظة عليها، والعمل على تطويعها.