مادة تحبها النفوس النقية وتهضمها بكل شهية، كلها نجاح وفلاح ومنجاة في الدنيا والآخرة، الصدق مادة لا تهزم، الصدق عنوان الأسوياء، الصدق عنوان الأتقياء، الصدق لا يعد، الصدق في كل شيء وبلا استثناء، الصدق سمة الأولياء، الصدق صفة الصديقين والأصفياء، الصدق صفة الكملة والنبلاء، الصدق صفة الشجعان، الصدق صفة الكرماء، الصدق صفة المتواضعين، الصدق صفة أصحاب الإيثار وليس صفة أهل الأثرة، الصدق مادة كلها تدل على خير هي وجميع اشتقاقاتها، فالصديق رضي الله عنه والصدقة والصداق والصدوق والصادق والصدق
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)، متفق عليه،
قال الشاعر:
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى
فقد عز في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سرا فما له
على سعيه فضل سوى الكد والعنا
فلن تجد صدوقاً نماماً، ولن تجد صدوقاً فتاناً، ولن تجد صدوقاً حقوداً، ولن تجد صدوقاً مغتاباً، لأنه شجاع تغلَّب على نفسه وهواه فصدق فصار شجاعاً، لأن الكذب والغش والنميمة من صفة الجبان، وأقرب شبه به الثعلب. ومما تستغرب له أن يكون عالماً كذاباً أو داعية كذاباً أو خطيباً كذاباً. وأصحاب الفراسة وأصحاب الصدق يعرفون الكذابين مهما تلبسوا ومهما ظهروا، فإن الباطن يشف لأصحاب الفراسة والمصداقية كما قال الشاعر:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وكل إناء بما فيه ينضح، ولقد كان سيدي الوالد -رحمه الله- يلتقي بأقوام تقوم لهم الدنيا وتقعد ثم يسر لي رحمه الله بأن فلاناً كذاب وأبقى في حيرة من أمري، ولكن مع مر السنين يظهر لي صدق والدي، ولقد كان الأمير محمد بن فهد بن جلوي رحمه الله.
يزوره أقواماً وكل شرائح المجتمع، فإذا خرجوا أسرَّ لي قائلاً: لا يغرك مظهر فلان فإنه كذوب. وفعلاً وجدت صدق ما يقول, كان لي صديق توفاه الله وكان مبتلى بجليس كما قال أبو الطيب:
وإنَّ من نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدواً ما له من صداقته بُدُّ
وليست المصيبة في الكذاب وإنما المصيبة في الذي يستمع الى الكذاب.
قال لي صديقي حضرت مجلساً من المجالس وصاحبي هذا مسؤول كبير يقول: من حين جلوسي حتى خرجت والمجلس لم يترك موضوعاً إلا خاض فيه، حتى الإدارة التي أشرف عليها ناقشوا مواضيعها واستعرضوا أخبارها وذكروا ما لها وما عليها وأنا جالس بينهم وكان أحد الحاضرين يغمز لهم بعينه وكأنه يقول مدير الإدارة في المجلس ولكنهم لم ينتبهوا حتى خرج وهو يضحك من حال الناس.