ازدهر الطلب على خدمات الرعاية الصحية المقدمة من القطاع الخاص في المملكة على مدى السنوات القليلة الماضية مدعوماً بالنمو السكاني المتسارع وارتفاع متوسط العمر المتوقع وانتشار الأمراض المزمنة وتنامي الثروات وتزايد ما يعرف بالأمراض المرتبطة بنمط الحياة إلى جانب ضعف الخدمات الطبية المقدمة من القطاع الحكومي. وفي ظل الإنفاق الحكومي السخي على الرعاية الصحية وخطط حكومية لإصلاح القطاع تشمل بناء 2000 مركز صحي وتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل على المواطنين من المتوقع أن يقتنص القطاع الخاص مزيداً من فرص النمو خلال السنوات المقبلة. وتشير التقديرات إلى أن الإنفاق على الرعاية الصحية في المملكة سيرتفع إلى نحو 174 مليار ريال (46.4 مليار دولار) في 2017 من 68.7 مليار في 2010 بحسب لتقرير للأهلي كابيتال صدر في نوفمبر تشرين الثاني 2012. وتعمل الحكومة منذ سنوات على توفير نظام التأمين الصحي الإلزامي الشامل للمواطنين بتمويل من الدولة ليتيح للمرضى السعوديين العلاج في مستشفيات القطاع الخاص لكن إطاراً زمنياًَ
للبرنامج لم يتحدد بعد. ومن المتوقع أن يستفيد من ذلك البرنامج ملايين السعوديين العاملين في القطاع الحكومي والذين لا يحصلون حالياً سوى على التأمين الصحي الحكومي في خطوة ستعزز - في حال إقرارها - النمو القوي المتوقع في أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم. كما كان لتطبيق نظام التأمين الصحي الإلزامي في عام 2010 على العاملين بالقطاع الخاص دور كبير في دعم الطلب على الخدمات الصحية المقدمة من المستشفيات الخاصة خلال السنوات الماضية وبدأت الشركات الآن في التوجه نحو سوق الأسهم لتمويل موجة جديدة من التوسعات لتكون على استعداد للاستفادة من الإصلاحات المرتقبة. إصلاحات توجه الدفة نحو سوق الأسهم في نوفمبر تشرين الثاني، قال مصدران مصرفيان مطلعان إن اثنتين من أكبر المجموعات الطبية في المملكة تعتزمان القيام بطرح عام أولي في البورصة العام المقبل للاستفادة من اهتمام المستثمرين بقطاع الرعاية الصحية المتسارع النمو. وقال المصدران السعوديان إن مجموعة سليمان الحبيب الطبية وهي من أكبر مقدمي الخدمات الصحية في القطاع الخاص في منطقة الخليج كلفت وحدة الأنشطة المصرفية الاستثمارية للبنك السعودي الفرنسي بترتيب الطرح الأولي في خطوة تعكس الطلب الكبير على الخدمات الصحية. وأضافاً أن مستشفيات المانع العامة التي تعمل في المنطقة الشرقية تريد أيضاً إدراج أسهمها في البورصة واختارت بنك الخليج الدولي كابيتال لترتيب الطرح. وكانت شركة المواساة للخدمات الطبية أول شركة في القطاع تلجأ لسوق الأسهم بطرح عام أولي لحصة 30 بالمئة في أغسطس آب 2009 وجمعت من الطرح 776 مليون ريال. وفي أواخر 2012 جمعت شركة دلة للخدمات الصحية 540 مليون ريال من طرح أولي كما جمعت الشركة الوطنية للرعاية الطبية «رعاية» 175 مليوناً من طرح أولي في مارس آذار الماضي. وتبرز القوائم المالية للشركات الثلاث (دلة ورعاية والمواساة) الطلب القوي على خدمات الرعاية الصحية للقطاع الخاص، إذ قفزت الإيرادات المجمعة للشركات الثلاث 34 بالمئة بين عامي 2010 و2012. وكان العامل الرئيس للنمو هو التطبيق التدريجي لنظام التأمين الطبي الإلزامي للعاملين بالقطاع الخاص من المواطنين والوافدين، وهو ما رفع عدد حاملي وثائق التأمين خلال الفترة من 2007 وحتى 2012 إلى أربعة أمثال مستواه ليبلغ 8.4 مليون شخص من بينهم نحو سبعة ملايين وافد وفقاً لتقرير أعدته أرقام كابيتال. ومن شأنطبيق نظام التأمين الصحي الشامل للمواطنين وأسرهم أن يرفع عدد العملاء بالمستشفيات الخاصة.
وبحسب تقرير أرقام كابيتال من المتوقع أن توفر تلك الخطوة زيادة 50 بالمئة في عدد المرضى الراغبين في العلاج بمستشفيات القطاع الخاص في المملكة. خدمات طبية متردية هناك نحو 20 مليون مواطن سعودي في انتظار التأمين الصحي الذي تعده الدولة ويحصلون في الوقت الراهن على الخدمات الطبية المجانية في المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية. ووفقاً لأحدث إحصاءات رسمية متاحة بلغ عدد المستشفيات في المملكة 415 مستشفى في 2010 مثلت مستشفيات القطاع الخاص منها 30.6 بالمئة. وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2013 يتوفر 22 سريراً لكل 10 آلاف شخص في المملكة - ويعني ذلك بصورة أبسط أن هناك 2.2 سرير متاح لكل ألف شخص. وتلك النسبة قريبة من تلك المسجلة في الدول الخليجية المجاورة ولكنها لا تزال أقل من المعدل العالمي البالغ في المتوسط ثلاثة أسرة لكل ألف شخص و5.5 سرير لكل ألف شخص في الدول المتقدمة.
ويرى محللون تحدثت معهم رويترز أن السوق لم يصل بعد لمرحلة التشبع، وأن استمرار النمو السكاني يعزز فرص النمو، إذ زاد عدد السكان بمعدل نمو سنوي بلغ 3.2 بالمئة خلال الفترة من 2000 وحتى 2010. ويبلغ عدد السكان في المملكة اليوم نحو ثلاثين مليوناً، يمثل الوافدون منهم نحو عشرة ملايين. كما أن ارتفاع مستوى الدخل في المملكة يتيح اتباع أسلوب معيشة أكثر حداثة يعمل بدوره على زيادة معدل ما يعرف بالأمراض المرتبطة بنمط الحياة، مثل السمنة، إذ تشير الأبحاث إلى وجود شخص يعاني من السمنة بين كل ثلاثة أشخاص في المملكة. وتندرج خمس دول من دول مجلس التعاون الخليجي الست ضمن قائمة أكبر عشر دول من حيث انتشار مرض السكري، وفقاً للاتحاد الدولي لمرض السكري. وكان تقرير للأهلي كابيتال صدر في يوليو تموز قال إن من المرجح تحقيق المعدل المستهدف بتوفير 2.5 سرير لكل ألف شخص بحلول 2015 وهو ما يعني زيادة بواقع 20526 سريراً. وتوقع التقرير أن يساهم القطاع الخاص في توفير 38 بالمئة من تلك النسبة بما يعادل 7890 سريراً بإنفاق سنوي يقدر عند 1.6 مليار ريال. يقول جون سفاكياناكيس رئيس قسم إستراتيجيات الاستثمار لدى مجموعة ماسك السعودية «المملكة لديها نسبة عالية بصورة استثنائية من حالات مرض السكري والقلب والتشوهات الجنينية». ويضيف «من المؤكد أن التغيرات في قطاع التأمين من شأنها أن ترفع الطلب»، موضحاً أنه على المدى الطويل ستؤدي لدخول المزيد من مقدمي الرعاية الصحية إلى السوق.