أوضح وزير العدل رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى أن حق الملكية الفكرية يُعدُّ من أكثر الحقوق انتهاكًا في عالم اليوم، وأن القرصنة الفكرية بشقيها الأدبي والصناعي تُعدُّ الأكثر إعاقة للإبداع، والأسوأ إساءة للمستهلك وإضرارًا بصحته، مع التأثير على القيم الأخلاقيَّة المتعلّقة باحترام حقوق الآخرين، وليس من شيء أشد من قرصنة الأفراد والمؤسسات الأهلية من حماية المؤسسات الحكوميَّة في بعض الدول لعمليات القرصنة خاصة الحدودية عبر السماح بتدفق السلع والمصنفات المتلبسة بجريمة الانتحال والغش أو السرقة سواء كانت مقنعة أو مكشوفة، وليس من شيء أسوأ من الفراغ التنظيمي من عدم جدِّية النظام، ولا أسوأ من ذلك كلّّه من عدم وجود قضاء قوي وفعَّال يحمي الحقوق بالنظام وبمبادئه القضائية العادلة.
جاء ذلك خلال ترؤس وزير العدل بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين للمؤتمر الدولي لحقوق الملكية الفكرية المنعقد في لندن، الذي نَظَّمته غرفة التجارة العربيَّة البريطانية، وشارك فيه وفد عالي المستوى من القضاة والمحامين السعوديين، حيث تابع الوزير القول: إن القضاء يجب أن يكون الملاذ الآمن وأنه لا يتوقف عند الفراغ التنظيمي، بل يُكمله بمبادئ العدالة، كما أنَّه يلاحق أيّ تراخٍ تنفيذي قد يحصل من جهات الإدارة المعنية بحماية هذه الحقوق، ومن العدالة إشراكُ الإدارة في الجزاء المدني المتعلّق بالتعويض عند عدم فاعليتها في إنفاذ النظام الموكل تطبيقه إليها، وهو ما يُمَهّد لعملية الاعتداء على الملكية الفكرية.
وقال الوزير العيسى: إن المملكة العربيَّة السعوديَّة أصدرت أنظمة جديدة وحدثت أنظمة سارية منذ أكثر من عقد من الزمن لحماية حقوق الملكية الفكرية وفق أحكام نظامية واضحة تعالج مستجدات وقائعها من منطلق العدالة الإسلاميَّة التي تؤسس بحق لحفظ الحقوق، وأنه عند قراءة هذه الأحكام نجد أن اتفاقية: (تربس) تتوافق معها، كما أن هذه الأنظمة أوكلت التطبيق الجاد والفاعل لحقوق الملكية الفكرية إلى عدَّة جهات بحسب الاختصاص، ويبقى القضاء الملاذ الآمن لكل صاحب حق، الذي أقر عقوبات بالسجن على المعتدين على الحقوق ولم يكتف فقط بمجرد إقرار جزاءات التعويض المادي.
كما أقرّت المملكة العربيَّة السعوديَّة لائحة الإجراءات الحدودية لمنع تدفق السلع والمصنفات التي تشتمل على جريمة القرصنة أو التقليد وقد تصدى القضاء لوقائع عديدة من هذا القبيل وطبق بشأنها الإجراءات النظامية بكلِّ حزم، يضاف لذلك إجراءات نظامية ذات صلة لحفظ الحقوق منها نظام حماية حق المؤلِّف، ونظام العلامات التجاريَّة، ونظام براءات الاختراع، ونظام المنافسة، ولم يقتصر المنظم السعودي على حمايته للفروع التقليدية في هذا الشأن المتعلِّقة غالبًا ببراءة الاختراع والعلامات التجاريَّة، بل تجاوزها إلى فروع مستحدثة مثل برامج الحاسب وإصدار لائحة التدابير الحدودية.
وألمح الدكتور العيسى إلى أن القضاء في المملكة العربيَّة السعوديَّة لا يقتصر على حماية السلع والمصنفات المسجلة في المملكة، بل يتصدى لحماية الملكيات الشهيرة وإن لم تكن مسجلة وتمثّل هذه الخطوة أعلى مقاييس المعيارية في حفظ حقوق الملكية، لأن منطلق القضاء في المملكة يتأسس على قيم العدالة بمنطقها المقرر في الشريعة الإسلاميَّة الذي يوجب حفظ مثل هذا الحق وإنْ لم يحظَ بحصانة التسجيل داخل المملكة باعتباره حقًا مشروعًا يمتلكه آخر جرى الاعتداء عليه في بلد المشروعية، ودولة النظام، والأنموذج الحي للعدالة الإسلاميَّة.
وقد حضر المؤتمر وزير الدَّوْلة للعدل في الحكومة البريطانية اللورد مكنيللي ووزير العدل الأردني الدكتور بسام التلهوني وعدد من الفعاليات العلميَّة والحقوقية.
ومن جهته أشار وزير العدل الأردني الدكتور بسام التلهوني في كلمته إلى أن تطوّر أيّ مجتمع يعتمد على الفكر الخلاق والإبداع والابتكار وهي أدوات تسهم في تقدم العلوم أيضًا.
وأضاف أن هذه المساهمة تتطلب حماية لهذه الأفكار الخّلاقة والمبدعة من أجل تطورها، مشيرًا إلى الجهود التي تبذل في الأردن على صعيد حماية حقوق الملكية الفكرية من خلال عدد من القوانين الخاصَّة ببراءات الاختراعات والتجارة والصناعة.
كما أبرز في كلمته التحدِّيات التي تواجه مجال حماية حقوق الملكية الفكرية ووسائل معالجتها.
ومن جانبه، رحب وزير الدَّوْلة للعدل في الحكومة البريطانية اللورد مكنيللي بوزير العدل السعودي، موضحًا أن وزارة العدل البريطانية لديها علاقات مميزة وممتازة مع المملكة العربيَّة السعوديَّة.
وقال في كلمته: إن الاختراعات الجيّدة تتطلب حماية، مبينًا أن هذه الحماية تمتد لتشمل المستهلك أيْضًا خاصة في العصر الحالي الذي تتطوّر فيه التقنية بشكل سريع.
وأوضح أن الازدهار في أيّ مكان يعتمد على الإبداع والابتكار وحماية حقوق الملكية الفكرية حافز رئيس للنمو، مشيرًا إلى أن بريطانيا تبذل جهودًا كبيرة في هذا المجال بوجود عدد من القوانين.
وأكَّد على أهمية تضافر الجهود الدوليَّة في مجال مكافحة القرصنة والتزوير والجرائم الإلكترونية.
وتناول المؤتمر من خلال جلستي عمل الحوار الإستراتيجي حول تغيير مفاهيم المستهلكين عن التزوير والسرقة والملكية الفكرية، وتنسيق تطبيق القوانين والإجراءات الحكوميَّة والمؤسسات التجاريَّة ضد المزوّرين.
وشارك في هذه الجلسات من المملكة العربيَّة السعوديَّة عضو المجلس الأعلى القضاء رئيس التفتيش القضائي معالي الشيخ الدكتور ناصر بن إبراهيم المحيميد حيثُ تحدث عن أهمية الحفاظ على حق الملكية الفكرية، مبينًا أن جرائم الاعتداء على هذا الحق ضار بالعالم وتطوره وأنه يجب أن تتضافر الجهود في تحقيق الرِّعاية لحفظ هذا الحق المهم.
وأكَّد الدكتور المحيميد أن الأنظمة بالسعوديَّة حرصت على منع جرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية بمواد قوية وواضحة وفعَّالة.
كما تطرَّق الشيخ د. المحيميد إلى شرح المبادئ القضائية الراعية لحقوق الملكية الفكرية في المملكة في شقها العام بصفتها قواعدَ عامة وشقها التفصيلي باعتبارها قواعد تفصيلية.
كما قدم رئيس اللجنة الوطنيَّة للمحامين الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز الغصن ورقة عمل عن حماية الحقوق الفكرية في النظام الإسلامي تطرَّق خلالها إلى القواعد الإسلاميَّة في حماية حقوق الملكية الفكرية من خلال نصوص الشريعة التي استعرضها الدكتور الغصن وعلّق عليها وبيَّن فاعليتها في حفظ الحقوق وأنها تمثِّل الركيزة الأساسيَّة في تطبيق حماية الحقوق في المملكة العربيَّة السعوديَّة.
كما قدم أمين عام اتحاد المحامين في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة الدكتور ماجد بن محمد قاروب في الجلسة الثانية شرحًا عن التنسيق في تنفيذ القانون وتحرك الحكومات ومؤسسات الأعمال ضد المزوِّرين واستعرض شرحًا موسعًا في هذا المجال.
وشهدت الجلسات مشاركة وزير الدَّوْلة البريطاني لشؤون حقوق الملكية الفكرية فيسكونت يونغير ليكي، والمحامية شيري بلير إلى جانب عدد من المتخصصين في حقوق الملكية الفكرية.
وحضر المؤتمر جمع غفير من المحامين والقانونيين والأكاديميين والعاملين في قضايا حقوق الملكية الفكرية والإعلام المتخصص في هذا المجال.