لم أستطع في البدء أن أضع عنوانا لهذا المقال؛ كتبت السطر الأول دون أدري إلى ماذا سأنتهي إليه؛ لقد عمي علي من هول ما رأيت، لم أعد أدرك كيف أعبر أو أكتب عن مشاهد جحيم المستشفى الذي اقتحمته جماعة إرهابية تقتل كل من تلاقيه من البشر دون أن تعلم أو تدقق من هو وإلى أية دين أو فئة أو مذهب أو جنسية؟!
مر أسبوع كامل على نشر وثيقة هذه الجريمة من على شاشة التلفزيون اليمني بعد مرور أسبوع آخر على وقوع هذه المجزرة الوحشية المروعة؛ ورغم بث فيديو الجريمة عبر التلفزيون اليمني؛ إلا أنه لم يتم تداول هذا الخبر المؤلم الحزين عبر وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية العالمية إلا بعد يوم أو يومين تقريبا من بثه يمنيا؛ لأن جريمة المستشفى ليست مستقلة بذاتها؛ بل هي جزء من العملية الإرهابية الكبيرة التي استهدفت وزارة الدفاع اليمنية بتاريخ الخامس من ديسمبر؛ وراح ضحيتها عشرات الجنود والمدنيين اليمنيين، وقتل فيها كل العناصر الإرهابية التي قامت به؛ ولم يعلم عن حادثة المستشفى وقتها؛ لأن السلطات اليمنية لم تتحدث عنها، مع أن المستشفى ملاصق لمبنى الوزارة ووقع الهجوم أمام بوابة الوزارة؛ مما أربك القوات اليمنية وأتاح ممرا لدخول السيارة المعبأة بالمتفجرات عبر بوابة المستشفى وفي ظل هذه الفوضى وهيمنة الارتباك الذي حدث بعد التفجير تسلل الإرهابيون إلى المستشفى ونفذوا المذبحة المروعة في الطاقم الطبي كله من أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات ومرضى وزائرين؛ كل من صادفوه من بني الإنسان؛ إما بطلقات مسدس أو بقنبلة محمولة باليد؛ لم يشفقوا على مريض أو امرأة أو شيخ مسن أو طفل؛ باعتبار أن من يختلفون معهم من البشر ليسوا مسلمين؛ فهم إما كفرة أو مرتدون!
وبعيدا عن تبرؤ القاعدة أو أية جماعة أخرى من هذه العملية القذرة؛ دعونا نتحرى الدوافع التي يمكن أن تجرئ أية جماعة على ارتكاب هذه الحماقة الدموية؛ فمن هو طالب الثأر في اليمن؟! الذي يرى أن أعداءه في الدرجة الأولى المستهدفين بالانتقام هم: السلطة اليمنية والحوثيون المجرمون؟!
قبل يوم من وقوع هذا الاعتداء الوحشي على وزارة الدفاع ومستشفى العرضي انطلقت صرخات مهددة من إحدى القنوات الفضائية المتعاطفة مع الجماعات الجهادية على اختلاف فصائلها، انطلقت تهديدات عبر ذلك البرنامج الحواري مع شخصية يمنية تطالب بإطلاق سراح عدد من الشخصيات الجهادية التي كانت تتلقى العلاج في مستشفى العرضي بعد إصابتها في المواجهات مع الحوثيين في معارك دماج، وأقدمت عصابة حوثية على اختطاف أولئك القياديين المصابين وفرت بهم إلى جهة غير معلومة، وهددت الجماعات الجهادية في اليمن بالانتقام لخطف عدد من عناصرها المؤثرة، كما ردد هذا التهديد بحماسة مفرطة مدير الحوار في القناة الفضائية المتعاطفة معهم، مشيرا بصورة أقرب إلى الجزم بأن الانتقام سيكون قاسيا وساحقا وما حقا!
وكأن المحاور يعلم بما سيتم غدا؛ جاء الانتقام كما وصف بكل الدقة؛ لقد صب الإرهابيون المهاجمون جام غضبهم على وزارة الدفاع باعتبار أنها متهمة بالتغاضي عن اختطاف العناصر الجهادية المصابة؛ ولذلك استهدفت العقوبة كل ما يتصل بالوزارة من بشر وحجر؛ فشمل الانتقام طواقم المستشفى وكل من يتلقى العلاج فيه أو زاره بصورة وحشية دموية شرسة!
ومن المؤسف أن نجد من بين المهاجمين الاثني عشر من يكنى بذباح الطائفي أو صقر القرشي أبي البراء الشروري أو عثمان المكي أو أبي فلان النجدي أو القحطاني أو العتيبي!
نحن والله بريئون ممن أراق قطرة دم حرام في أية بقعة في الأرض؛ هؤلاء ليسوا منا ولسنا منهم؛ هؤلاء أدعياء دين وأدعياء جهاد، من يقتل الأبرياء مجرم كامل الإجرام مهما كانت دعواه، من يقتل الأطباء والطبيبات والمرضى ليس مجاهدا ولا حامل مشعل هداية ورحمة وقيم وأخلاق.