تُستأنف اليوم الأربعاء جلسات الحوار الوطني بعد أن تولى تعيين المهدي جمعة على رأس حكومة الكفاءات المستقلة مساء السبت الماضي في غياب أكبر أحزاب المعارضة التي انسحب قياديوها من الجلسة الحاسمة رافضين التصويت على جمعة في المنصب الجديد؛ بسبب ما أسموه «حياد الحوار عن مساره الصحيح»، معتبرين أن جمعة ليس سوى أحد أبناء الترويكا الحاكمة؛ لأنه يشغل إلى اليوم منصب وزير الصناعة في حكومة علي العريض التي تعهدت بالاستقالة منذ الجولة الأولى للحوار الوطني. ولا تزال بعض أحزاب المعارضة «القوية» والفاعلة على موقفها الرافض لمواصلة مشوار الحوار الوطني، فيما يتريث حزب نداء تونس لغاية يوم غد الخميس في انتظار انعقاد مكتبه التنفيذي الذي سيتولى إعلان موقف الحزب النهائي، فيما عبّرت بعض الدول الغربية الكبرى عن دعمها لما توصل إليه الحوار من نتائج، مجددة وقوفها إلى جانب تونس في مسارها الانتقالي، في ظل تردد المؤسسات المالية العالمية المانحة في الإصداح بموقفها بخصوص منح البلاد من عدمه قروضاً جديدة ومساعدات، من شأنها إنقاذ الاقتصاد التونسي المنهار.
وكانت أحزاب قريبة عدة من الترويكا الحاكمة قد عبّرت عن مساندتها اللامشروطة لتولي المهدي جمعة خلافة علي العريض على رأس الحكومة الخامسة بعد الثورة، فيما تتمسك أحزاب جبهة الإنقاذ - وعلى رأسها حزب نداء تونس والجبهة الشعبية والحزب الجمهوري - بموقفها الرافض لهذا الاختيار الذي تعتبره إعادة حكم للائتلاف الحاكم؛ وبالتالي فإنه لم يتغير شيء بالنسبة لها.
وفي خضم هذا التجاذب السياسي المثير، دعا رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي كل التونسيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية إلى التحلي بأعلى درجات الوطنية والحفاظ على السلم والهدوء والالتفاف حول مؤسسات الدولة والحكومة الجديدة التي لا يجب أن يستغرق تشكيلها أكثر من شهر، بما يجعلها بعيدة عن الصراعات الحزبية، ولتنصب كل الجهود في المسارين التأسيسي والانتخابي لاستكمال دستور توافقي يفخر به الشعب التونسي أمام العالم، ولإقرار أقرب تاريخ ممكن للانتخابات. وأشار إلى أن موعد تنظيم الانتخابات لا يجب أن يتجاوز الصيف المقبل، مؤكداً أن في ذلك المصلحة العليا للبلاد.
كما أضاف المرزوقي «احتفلنا أمس بذكرى انطلاق شرارة الثورة وبلادنا تسير قدماً بلا تردد نحو استكمال مسار انتقالها الديمقراطي متجاوزة صعوبات جمة، لكن بآمال غير مسبوقة، وبمشاعر مفعمة بالوفاء لشهداء الثورة».
من جهتهم اعتبر أغلب المحللين السياسيين أن الحكم على كفاءة المهدي جمعة في إدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية سابقٌ لأوانه.
ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الرباعي الراعي للحوار تعيين المهدي جمعة في منصب رئاسة الحكومة المستقلة بدأت الانتقادات تتهاطل عليه، ومعها الترشيحات للحقائب الوزارية، فيما نشطت سوق المزايدات حول أهم الملفات الواجب على جمعة فتحها، ومن ذلك أن اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار أعلن صراحة أنه لن يقبل بحكومة المهدي جمعة إلا متى التزمت بتنفيذ بنود خارطة الطريق بكل تفاصيلها.
وفي هذا الصدد قال أحد نواب رئيس الاتحاد سامي الطاهري إن من أوكد مهام جمعة إعادة النظر في التعيينات العديدة التي قررتها حركة النهضة، والحسم في ملف رابطات حماية الثورة الميالة إلى العنف، وفتح ملف الاغتيالات السياسية، مع الحرص على مراجعة ميزانية الدولة للعام الجديد التي وضعتها حكومة علي العريض، وإنهاء النظر في مجلة الاستثمارات.